- مقــــــــــــدمة
- الفصل الأول: في الاختصاص و عرض الموضوع
- المبحث الأول: في الاختصاص
- المطلب الأول: في الاختصاص الإقليمي
- الفرع الأول: الاختصاص المحلي
- الفرع الثاني: الاختصاص الوطني
- المطلب الثاني: الاختصاص الشخصي
- المطلب الثالث: الاختصاص النوعي
- المبحث الثاني: طرق عرض الموضوع على قاضي التحقيق
- المطلب الأول: الطلب الافتتاحي
- المطلب الثاني: شكوى مصحوبة بادعاء مدني
- الفصل الثاني: اختصاصات قاضي التحقيق
- المبحث الأول: أعمال التحقيق
- المطلب الأول: الانتقال للمعاينة
- المطلب الثاني: تقيين المسكن
- الفرع الأول: بالنسبة للميقات
- الفرع الثاني: بالنسبة للحضور
- الفرع الثالث: بطلان تفتيش
- المطلب الثالث: تفتيش المتهم
- المطلب الرابع: ضبط الأشياء
- المطلب الخامس: الخبرة
- المطلب السادس: الشهادة
- الفرع الأول: إجراءات الإدلاء بالشهادة
- الفرع الثاني: تخلف الشاهد على الحضور
- الفرع الثالث: امتناع الشاهد عن أداء اليمين أو الإدلاء بالشهادة
- الفرع الرابع: الأشخاص الذي يمنع سماع شهادتهم
- الفرع الخامس: أداء الشهادة
- المطلب السابع: فحص شخصية المتهم
- المطلب الثامن: الاستجواب و المواجهة
- الفرع الأول: الحضور الأول
- الفرع الثاني: ضمانات المتهم في الاستجواب
- الفرع الثالث: حكم إطالة الاستجواب لإرهاق المتهم
- الفرع الرابع: حكم تعذيب المتهم
- الفرع الخامس: تحرير محضر الاستجواب
- المطلب التاسع: الإنابة القضائية
- المبحث الثاني: أوامر قاضي التحقيق
- المطلب الأول: أوامر التحقيق في مواجهة المتهم
- الفرع الأول: الأمر بإحضار
- الفرع الثاني: الأمر بالقبض
- الفرع الثالث: الأمر بالإيداع
- الفرع الرابع: الحبس المؤقت و دلائله
- المطلب الثاني: أوامر التصرف في التحقيق
- الفرع الأول: الأمر بالأوجه للمتابعة
- الفرع الثاني: الأمر بالإحالة
- المطلب الثالث: استئناف أوامر قاضي التحقيق
- الفرع الأول: الأوامر الجائز استئنافها
- الفرع الثاني: من لهم حق الاستئناف؟
- الخـــــــــــاتمة
مقـــــــــــدمـة:
يقصد بالتحقيق لغة الكشف عن حقيقة مجهولة، و قضاء التحقيق هو الجهة المختصة التي يناط إليها التحقيق القضائي علما أن الجزائر كسائر أغلب التشريعات المعاصرة تأخذ بمبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام و التحقيق، فالأولى من اختصاص النيابة العامة و الثانية من اختصاص قاضي التحقيق كدرجة أولى للتحقيق (المواد من 66 إلى 175 من ق.إ.ج) و غرفة الاتهام كدرجة ثانية و عليا للتحقيق (المواد من 176 إلى 2001 ق.إ.ج).
قاضي التحقيق هو أحد أعضاء الهيئة القضائية، فهو بطبيعة وظيفته من قضاة الحكم يجمع بين صفتين متلازمتين:- فهو من جهة يقوم بأعمال الشرطة القضائية من تحقيق و تحري بحثا عن الحقيقة، و من جهة ثانية هو قاضي يصدر خلال التحقيق قرارات و أوامر متنوعة كما نصت المادة 38 ق.إ.ج " يناط لقاضي التحقيق إجراءات البحت و التحري و لا يجوز له أن يشترك في الحكم في قضايا نظرها بصفته قاضيا للتحقيق و إلا كان الحكم باطل " فقاضي التحقيق بالإضافة إلى التحقيق قد يقوم بوظائف قاضي الحكم فيستعان به عند الضرورة للقيام مقام قاضي متغيب أو في عطلة مرضية أو عطلة سنوية ، فيقوم مقامه و يترأس جلسات المحكمة ما عدا القضايا التي قام بالتحقيق فيها فلا يجوز له الحكم فيها أصلا و إلا كان الحكم باطلا كما جاء صراحة في نص المادة 38 ق.إ.ج.
يتم تعيين قاضي التحقيق من بين قضاة المحكمة بمقتضى مرسوم رئاسي و تنتهي مهامه بنفس الطريقة و ذلك طبقا للمادة 39 من ق.إ.ج و يمكن تعدد قضاة التحقيق على مستوى اختصاص إقليمي لمحكمة واحدة، كما يمكن أن يجمع قاضي التحقيق واحد بين مجموعة محاكم، ففي الحالة الأولى حيث يتعدد قضاة التحقيق يرجع أمر اختيار المحقق للتحقيق في موضوع ما لوكيل الجمهورية حيث يقدم طلبه بافتتاح تحقيق للقاضي الذي يختاره له فتنص المادة 70/01 من ق.إ.ج " إذا وجد بإحدى المحاكم عدة قضاة تحقيق فان وكيل الجمهورية على مستوى المحكمة هو المخول قانونا اختيار قاضي التحقيق الذي يراه جديرا بالتحقيق لكل قضية فوكيل الجمهورية خوله القانون سلطة تنحيته من التحقيق بناء على طلب المتهم أو المدعي المدني، علما أن قاضي التحقيق غير ملزم قانونا بتلبية طلبات النيابة العامة، و القانون يقرر للنيابة العامة سلطة الطعن في أوامر قاضي التحقيق طبقا للمادة 170 من ق.إ.ج.
إن البحث في موضوع قاضي التحقيق موضوع متشعب و واسع لذلك ارتأينا إلى تقسيم هذا البحث المتواضع إلى فصلين ، الفصل الأول خصصناه لاختصاص قاضي التحقيق و طرق عرض الدعوى عليه و الفصل الثاني تطرقنا من خلاله إلى اختصاصات قاضي التحقيق التي تناولنا فيها أعمال التحقيق و أوامر قاضي التحقيق.
الفصـل الأول
فـي الاخـــتصـاص و عــرض الموضــوع
سوف نتعرض في هذا الفصل لنقطتين، الأولى هي الاختصاص الإقليمي لقاضي التحقيق و الثانية هي طرق عرض الموضوع عليه لان قاضي التحقيق لا ينعقد له الاختصاص تلقائيا. (1)
(1) فحتى بالنسبة للجنايات و الجنح المتلبس بها و إن سمح القانون لقاضي التحقق بمباشرة إجراءات البحث و التحري طبقا للمادة 60/1 إج إلا أن الفقرة الثالثة من نفس المادة تنص على أنه في حالة حضور قاضي التحقيق و وكيل الجمهورية مكان الحادث جاز لهذا الأخير أن يطلب من قاضي التحقيق فتح محضر تحقيق قانوني، بالإضافة إلى أن الفقرة الأولى من المادة 67 إج تنص " لا يجوز لقاضي التحقيق أن يجري تحقيقا إلا بموجب طلب من وكيل الجمهورية لإجراء التحقيق حتى و لو كان ذلك بصدد جناية أو جنحة متلبس بها". مما يدل على أن التحقيق لا يكون بمبادرة من المحقق و إنما بناء على طلب النيابة العامة.
المبحث الأول – في الاختصاص:
يتحدد اختصاص قاضي التحقيق من خلال الأشخاص و الوقائع و الإقليم، فيوصف بالاختصاص الشخصي من خلال النظر لشخص المتهم و مدى خضوعه لسلطان القضاء الوطني من جهة و مدى خضوعه لسلطان الجهة و اختصاص قاضي التحقيق به أم لا، و يوصف بالاختصاص النوعي من خلال النظر للوقائع المعروضة من جهة أخرى، و يتحدد الاختصاص أخيرا من خلال الدائرة المكانية فيوصف بالاختصاص الإقليمي.
المطلب الأول – الاختصاص الإقليمي:
يقصد بالاختصاص الإقليمي المجال المكاني الذي يباشر فيه قاضي التحقيق عمله في التحقيق باتخاذ إجراءاته، و يضيق هذا المجال المكاني بحسب ما يقرره القانون من دوائر اختصاص مكانية ، فقد يكون اختصاصا محليا يمكن تمديده لدوائر اختصاص أخرى، و قد يكون وطنيا يشمل كل تراب الجمهورية.
الفرع الأول: الاختصاص المحلي:
يتحدد الاختصاص المحلي بدائرة اختصاص المحكمة أو المحاكم التي يباشر فيها قاضي التحقيق وظيفته، كما يمكن أن يمتد هذا الاختصاص المحلي بحسب ما إذا كانت هناك ضرورة تدعو لذلك أم لا، فتنص المادة 40/2 إ.ج "... و مع ذلك فيجوز في حالة الضرورة أن يمتد هذا الاختصاص بقرار وزاري إلى دائرة اختصاص محاكم أخرى.
الفرع الثاني – الاختصاص الوطني:
الاختصاص الوطني يشمل كامل تراب الجمهورية، و هو اختصاص استثناء من الأول يتحدد بنطاق ضرورة التحقيق "المادة 80 إ. ج " أو بتحديد القانون الحالات التي يكون فيها الاختصاص وطنيا، وهو اختصاص يتحدد بالجرائم الموصوفة بالأعمال الإرهابية أو التخريبية ، و في إجراءات معينة كالتفتيش والحجز طبقا للمادة 47/3 إ.ج (1) التي تنص "عندما يتعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخربيبة، يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم بأية عملية تفتيش أو حجز ليلا أو نهارا،و في أي مكان على امتداد التراب أو يأمر ضابط الشرطة القضائية المختص بذلك" ،
(1) المضافة بالأمر 95-10 المتضمن تعديل قانون الإجراءات الجزائية
و تحدد المادة 40/1 إ.ج الحالات التي يعقد فيها الاختصاص لقاضي التحقيق، فتنص "يتحدد اختصاص قاضي التحقيق محليا بمكان وقوع الجريمة أو بمحل إقامة أحد الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في اقترافها أو بمحل القبض على أحد هؤلاء الأشخاص حتى و لو كان هذا القبض قد حصل لسبب آخر."
و هذا يعني أن اختصاص قاضي التحقيق المكاني، و مباشرته لإجراءات التحقيق يتقيد فيها - بالإضافة إلى وجوب تقديم طلب من وكيل الجمهورية ممثل النيابة العامة (1) أو ادعاء مدني من المتضرر من الجريمة عما لحقه من ضرر بسبب الجريمة – و لانعقاد الاختصاص المكاني يجب توافر حالة من الحالات الثلاثة التالية:
1- أن تكون الجريمة قد اقترفت في دائرة اختصاص قاضي التحقيق المكاني، و يقصد بمكان ارتكاب الجريمة المكان الذي وقعت فيه الجريمة كاملة أو أحد العناصر المكونة للركن المادي و يتحدد مكان إرتكابها بحسب طبيعة الجريمة، وقتية أو مستمرة، مركبة أو بسيطة أو شروعا، فالجريمة الوقتية تعتبر مرتكبة في أي مكان وقع فيه عنصر من عناصر الركن المادي، أما المستمرة فتعتبر واقعة في كل مكان تحققت فيه صورة من صور الاستمرار، أما الجريمة المركبة كالجرائم الاعتياد و المتتابعة الأفعال، فإن كل مكان يقع فيه فعل من الأفعال الاعتياد أو فعل من أفعال التتابع تعتبر الجريمة مرتكبة فيه.
2- أن تكون إقامة أحد المشتبه في ارتكابهم الجريمة بنفس دائرة الاختصاص، و يتحدد مكان الإقامة بوقت إتيان الجريمة، و هو الزمن الذي ينشأ فيه حق الدولة في متابعة المتهم و عقابه.
3- أن يكون قد القي القبض على أي من المشتبه فيهم، أو أي من المتهمين في تلك الدائرة.
و نلاحظ إذن أن عدم توافر عنصر من العناصر السابقة يجعل القاضي التحقيق غير المختص مكانيا فيقضي بعدم اختصاصه، و هي حالة تتعلق حيث يكون الاختصاص المكاني محليا و لا تتعلق بحالة اختصاصه الوطني من جهة و من جهة أخرى فإن الأمر يتعلق بجريمة وقعت في الإقليم الوطني.
(1) مع ملاحظة أن قاضي التحقيق يجوز له اتهام كل شخص تكون النيابة العامة لم تذكره في طلباتها و لكنه اتهام يتعلق بالوقائع المعروضة عليه طبقا للفقرتين الثالثة و الرابعة من المادة 67 إ.ج.
المطلب الثاني – الاختصاص الشخصي:
الأصل أن القاضي التحقيق يحقق في جميع الجرائم جنايات و جنح و مخالفات، التي تقدم بشأنها النيابة طلباتها و مع جميع الأشخاص المتهمين من طرف النيابة العامة الواردة أسماؤهم في طلباتها طبقا للمادتين 35/1، 67/1 إ.ج ، أو الأشخاص الدين يرى قاضي التحقيق وجها لاتهامهم بالوقائع المعروضة عليه طبقا للمادة 67/3، إلا أن هذه القاعدة ليست مطلقة، لان القانون أحيانا يقيـد
القاضي من حيث الأشخاص الذين يجوز التحقيق معهم، فيخول التحقيق مع مثل هذه الفئات لجهات أخرى غير قاضي التحقيق، فالتحقيق مع الأحداث الذين لم يبلغوا سن الرشد الجنائي يخرج عن نطاق اختصاص قاضي التحقيق نوعيا بالتحقيق في جناية أو جنحة يقترفوها المادتان 449/3، 452 إ.ج ، و العسكريون ومن في حكمهم وفقا لأحكام قانون القضاء العسكري الصادر بالأمر 71-28.
المطلب الثالث – الاختصاص النوعي:
يقصد بالاختصاص النوعي المجال الجرمي الذي يباشر فيه قاضي التحقيق مهامه، فيحقق كأصل عام في كل جريمة معاقب عليها طبقا لقانون العقوبات أو القوانين المكملة له هذا من جهة، و من جهة أخرى ما هي الجرائم التي يحقق فيها و ما هي الجرائم التي تخرج عن المجال اختصاصه ؟ فتنص المادة 66 إ.ج " التحقيق الابتدائي وجوبي في مواد الجنايات أما في مواد الجنح فيكون اختياريا ما لم تكون ثمة نصوص خاصة، كما يجوز إجراؤه في مواد المخالفات إذا طلبه وكيل الجمهورية " فالقاعدة أن التحقيق عام لكل الجنايات فلا يجوز فيها رفع الدعوى مباشرة أمام المحكمة، في حين أنه في مواد الجنح يقرر القانون قاعدة عامة يرد عليها استثناء، و هي أن التحقيق في الجنح عموما غير إلزامي، إلا في الحالات التي ينص القانون على ذلك كجرائم النصب و خيانة الأمانة و الإفلاس التي تتطلب بطبيعتها التحقيق (1) و جنح الأحداث المادتين 449/3، 452/3 إ.ج (2)، و جنح الصحافة أو الجنح ذات الصبغة السياسية أو تلك التي تخضع فيها المتابعة الإجراءات خاصة المادة 54/3 إ.ج ، أما المخالفات فترك المشرع أمر تقدير مدى ضرورة التحقيق فيها لسلطة وكيل الجمهورية، و بالتالي فالتحقيق وجوبي في مواد الجنايات و الجنح بنصوص خاصة، فتلتزم النيابة العامة كما رأت وجها لإقامة الدعوى، بتقديم طلب لقاضي التحقيق تطلب فيه فتح تحقيق، أما في مواد الجنح كأصل و المخالفات عامة فتضل النيابة صاحبة السلطة في اختيار الإجراء الذي تراه أصلح، بين طلب فتح تحقيق و بين رفع الدعوى مباشرة أما محكمة الجنح و المخالفات و بين الأمر بحفظ الأوراق الأعمال لقاعدة الملائمة التي تتمتع بها في اختيار الإجراء الذي تراه مناسبا.
(1) د- محمد لعساكر - ملخص محاضرات في المادة القانون الإجراءات الجزائية – طلبة السنة الثالثة – السنة الجامعية 89-90 .
(2) نلاحظ أن القانون يقرر حالات لا يختص بالتحقيق فيها قاضي التحقيق، الأحداث يقرر القانون قواعد خاصة بهم في المواد 442 – 492 إ.ج من بينها عدم اختصاص قاضي التحقيق بالتحقيق معهم المادة 449/3 إ.ج.
المبحث الثاني – طرق عرض الموضوع على قاضي التحقيق:
تنص المادة 38/3 إج ".... و يختص بالتحقيق في الحادث بناء على طلب وكيل الجمهورية أو شكوى مصحوب بادعاء مدني ضمن الشروط المحددة في المادتين 67 و 73 إ.ج " و هو ما يعني أن قاضي التحقيق لا يمكن وضع يده على قضية ما بالتحقيق فيها إلا بناء على أحد أمرين طلب افتتاحي من النيابة العامة أو شكوى من المتضرر من الجريمة يدعي فيها بأنه لحقه ضرر من جريمة ما.
المطلب الأول – الطلب الافتتاحي:
بالإضافة لنص المادة 38/3 السابقة، تنص المادة 67/1 من نفس القانون " لا يجوز لقاضي التحقيق أن يجري تحقيقا إلا بموجب طلب من وكيل الجمهورية الإجراء التحقيق حتى و لو كان ذلك بصدد جناية أو جنحة متلبس بها." ، فالشرطة القضائية عند انتهائها من عملها ترسل محاضرها لوكيل الجمهورية الذي يرجع له أمر التصرف إلى نتائج بحثها و تحريها، بالإضافة للبلاغات و الشكاوي المقدمة له طبقا للمادة 36 إ.ج الذي يقدر مدى جديتها، و هو ما يدل على أن سلطة التقدير و الملائمة بين تحريك الدعوى العمومية بالسير في الدعوى أو حفظ الأوراق بعدم السير فيها من اختصاص وكيل الجمهورية، فإذا قدر جدية تلك الشكاوي أو البلاغات و المحاضر و رأى ضرورة لتحريك الدعوى العمومية وجب عليه تقديم طلب لقاضي التحقيق في المسائل المتعلقة بالجنايات عموما و الجنح التي يجب فيها التحقيق بنص صريح من القانون، أما في الجنح كأصل و المخالفات عامة فيقدم طلبا له متى رأى ضرورة التحقيق فيها.
و الطلب الذي يقدمه وكيل الجمهورية لقاضي التحقيق، يطلب فيه منه فتح تحقيق في موضوع ما، قد يكون طلبا ضد شخص معلوم كما يمكن أن يكون ضد شخص غير معلوم طبقا للفقرة الثانية من المادتين 67، 73 إج و هو ما يطلق يد قاضي التحقيق بالنسبة للأشخاص المادة 67/3 إ.ج و الملاحظ أن النيابة العامة لا يلزمها القانون بوجوب التقييد بطلباتها الكتابية الواردة في الطلب الافتتاحي ، فيجوز لها تقديم طلبات إضافية، فتنص المادة 69/1 إ.ج "يجوز لوكيل الجمهورية سواء في طلب افتتاحي لإجراء التحقيق أو بطلب إضافي في أي مرحلة من مراحل التحقيق أن يطلب من القاضي المحقق كل إجراء يراه لازما لإظهار الحقيقة. " و تنص الفقرة الثانية من المادة 31 إ.ج " و لهم ممثلو النيابة العامة – أن يبدوا و بكل حرية ملاحظاتهم الشفوية التي يرونها لازمة لصالح العدالة".
المطلب الثاني – شكوى مصحوبة بادعاء مدني:
عملا بحكم المادة 38/3 إ.ج التي تقضي "... و يختص بالتحقيق في الحادث بناء على طلب وكيل الجمهورية أو شكوى مصحوبة بادعاء مدني ضمن الشروط المحددة في المادتين 67 و 73 " و المادة 72 من نفس القانون التي تقرر حق كل شخص تضرر من جريمة ما أن يدعي ماديا بتقديم شكوى لقاضي التحقيق المختص محليا و نوعيا ، فتنص "يجوز كل شخص يدعي بأنه مضار بجريمة أن يدعي مدنيا بأن يتقدم بشكواه أمام قاضي التحقيق المختص." (1) يقدم طلبا لقاضي التحقيق يطلب فيه تعويضه عما لحقه من ضرر بسبب جريمة وقعت ، يلتزم المدعي المدني بتقديم كفالة ضمانا لدفع المصاريف القضائية ما لم يعف منها عن طريق حصوله على المساعدة القضائية و أن يختار موطنا في دائرة اختصاص قاضي التحقيق المختص ما لم يكن متوطنا بنفس دائرة الاختصاص.
(1) و يجوز للمدعي المدني الإدعاء مباشرة أمام محكمة الجنح و المخالفات في الخالات المقررة في المادة 337 مكرر.
الفصــــل الثــــانـي
إختصاصات قاضــــي التحقـــــيق
تتعدد اختصاصات قاضي التحقيق و تتنوع بحسب طبيعة الإجراء و الغرض من مباشرته و مدى تعلقه بالمتهمين و فترة اتخاذه ، فهناك إجراءات يباشرها الغرض منها الحصول على الدليل و تمحيصه تسمى أعمال التحقيق، و هناك إجراءات أخرى يباشرها المحقق و لها طبيعة خاصة تسمى الأوامر، و هي على نوعين أوامر يتخذها في مواجهة متهم معين كالأمر بالقبض و الأوامر بالإيداع في مؤسسة عقابية ... الغرض منها التمهيد للحصول على دليل الجريمة أو تأمينية ، و أوامر يتخذها عقب انتهاء من التحقيق كالأمر بألاوجه للمتابعة ... و عليه فإن إجراءات التحقيق تتنوع إلى:
أعمال قاضي التحقيق
أوامر التحقيق في مواجهة المتهم
أوامر قاضي التحقيق عند انتهاء التحقيق
المبحث الأول – أعمــال التحـقيـق
يطلق على هذه الإجراءات أيضا إجراءات جمع الأدلة، حيث يسمح القانون لقاضي التحقيق بالقيام بأي إجراء يراه ضروريا للكشف عن الحقيقة، فتنص المادة 68/1 إ.ج "يقوم قاضي التحقيق وفقا للقانون، باتخاذ جميع إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية للكشف عن الحقيقة، بالتحري عن أدلة الاتهام و أدلة النفي. " و هو ما يعني أن المحقق لا يلتزم في مباشرته لإجراءات التحقيق بترتيب معين لها، و لا باتخاذه جميع الإجراءات أو بعضها دون البعض الآخر، فهو الذي يختار في كل قضية معروضة عليه الإجراء الذي يقدر أنه يفيد التحقيق و من شأنه أن يساعد في إظهار الحقيقة، و يرتبها بحسب ما يراه و ما تقتضيه تلك المصلحة، و قد ورد ذكر أعمال التحقيق في القانون و هي الانتقال للمعاينة و التفتيش و ضبط الأشياء و سماع شهادة الشهود و الاستجواب و المواجهة و ندب الخبراء و الإنابة القضائية و التحقيق في شخصية المتهم.
المطلب الأول – الانتقال للمعاينة:
المعاينة عمل من أعمال التحقيق يتطلب انتقال لمكان وقوع الجريمة لمعادلة حالة الأمكنة و الأشياء و الأشخاص و وجود الجريمة ماديا و كل ما يلوم إثبات حالته، قبل أن يكون أي منها عرضة لمؤثرات خارجية - المادة 96 إ.ج - (1) و المعاينة كإجراء من إجراءات التحقيق يترك أمر تقدير مدى ضرورته للمحقق، فإنه إذا بادر قاضي التحقيق بإجراء المعاينة وجب عليه الانتقال و المعاينة قبل زوال آثار الجريمة أو تغيير معالم المكان خوفا على ضياع الحقيقة إذا تباطأ المحقق في الانتقال، فتنص المادة 79 إ.ج " يجوز لقاضي التحقيق الانتقال إلى أماكن وقوع الجرائم لإجراء جميع المعاينات اللازمة، أو القيام بتفتيشها، و يخطر بذلك وكيل الجمهورية الذي له الحق في مرافقته، و يستعين قاضي التحقيق دائما بكاتب التحقيق و يحرر محضرا بما يقوم به من إجراءات." و قد تقترن المعاينة بإعادة تمثيل الجريمة و بحضور الأطراف في الدعوى فتنص المادة 96 إ.ج " يجوز للقاضي مناقشة الشاهد و مواجهته بشهود آخرين أو بالمتهم، و أن يجري بمشاركتهم كل الإجراءات و التجارب الخاصة بإعادة تمثيل الجريمة مما يراه لازما لإظهار الحقيقة".
و قد يقتضي الانتقال للمعاينة أحيانا خروج المحقق عن دائرة اختصاصه المكاني بتمديده لدائرة اختصاص أخرى، مما يتطلب منه الالتزام بأحكام المادة 80 إ.ج التي تضع شروطا لذلك:
(1) قد يصاحب إجراء الانتقال و المعاينة قيام المحقق بتفتيش الأمكنة و ضبط الأشياء أو سماع شهادة الشهود و في هذه الحالة يلتزم بالقواعد المقررة لكل إجراء.
- أن تكون هناك ضرورة للانتقال خارج مجال اختصاصه المكاني.
- أن يخطر وكيل الجمهورية الذي يعمل في نفس دائرة اختصاصه، الذي يجوز له مرافقته في انتقاله.
- أن يخطر وكيل الجمهورية المختص مكانيا في دائرة الاختصاص المعنية بهذا التمديد.
- أن يحدد في محضر المعاينة الأسباب الذي دعته لتمديد دائرة اختصاصه المكانية.
المطلب الثاني – تفتيش المساكن:
التفتيش كالمعاينة يتطلب الانتقال إلى المساكن المراد تفتيشها، و هو يهدف للبحث عن دليل جريمة وقعت فعلا و تحقيقه، فلا يجوز أن يستند التفتيش على إمكان وقوع جريمة مستقبلا (1) و لو كانت كل التحريات و الدلائل تدل جميعها على أن الجريمة ستقع لا محالة، و هي حالة لا تخول غير اتخاذ الإجراءات الأمنية و الاحتياطية أو الوقائية التي من شأنها أن تمنع وقوع الجريمة، و التفتيش كإجراء من إجراءات التحقيق يسمح للمحقق بالبحث في أي مكان من المسكن بغرض الحصول على ما يفيد في إظهار الحقيقة.
و قد نظم قانون الإجراءات الجزائية أحكام التفتيش و حدود مباشرة قاضي التحقيق له في المواد، 47/3 ،82،83 منه، فتنص المادة 82 " إذا حصل التفتيش في مسكن المتهم فعلى قاضي التحقيق أن يلتزم بأحكام المواد من 45 إلى 47 …" و تنص المادة 83 " و على قاضي التحقيق أن يلتزم بمقتضيات المادتين 45 و 47 …"، و تنص المادة 47 في فقرتها الثالثة "عندما يتعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية، يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم بأية عملية تفتيش أو حجز ليلا أو نهارا و في أي مكان على امتداد التراب الوطني أو يأمر ضباط الشرطة القضائية المختصين بذلك ".
الفرع الأول – بالنسبة للميقات :
إذا كان القانون الإجرائي يضع قاعدة عامة و هي حصانة المسكن ليلا، بعدم جواز دخوله و تفتيشه ليلا طبقا للمادة 47 إ.ج ، فإنه سمح لقاضي التحقيق بالتفتيش ليلا خارج الميقات المحدد بالمادة السابقة من الساعة 5 صباحا إلى الساعة 8 مساءا، في حالتين هما:
(1) لان القيام بالتفتيش في مثل هذه الحالة يضفي عليه طابع عدم المشروعية، لان التفتيش أساسه قيام الجريمة فعلا، فإذا لم تقع أو أنها ستقع مستقبلا، فلا يجوز إجراؤه ، و بالتالي يعتبر الدخول في مثل هذه الحالة غير مشروع ما لم يكن هناك سبب آخر يبرره، مثل رضاء صاحب المسكن بذلك.
(2)
أولا – في الجرائم الموصوفة بالجناية:
يجوز لقاضي التحقيق التفتيش في أي ساعة من ساعات الليل و النهار بشرط توافر الشروط المحددة في المادة 82 إ.ج التي تنص " ... غير أنه يجوز له في مواد الجنايات أن يقوم بتفتيش مسكن المتهم في غير الساعات المحددة في المادة 47 بشرط أن يباشر التفتيش بنفسه و أن يكون ذلك بحضور وكيل الجمهورية". هذه الشروط هي:
- أن يتم تفتيش المسكن بمناسبة جناية طبقا للمادتين 5، 27 ق.ع المعاقب عليها بالإعدام و السجن المؤبد و المؤقت من 5 إلى 20 سنة.
- أن يكون المسكن المراد تفتيشه مسكن المتهم، فلا يجوز تفتيش مسكن غير المتهم حتى و إن كان يشتبه فيه بأنه يحوز أوراقا أو أشياء متعلقة بالجناية في غير الميقات المحدد في المادة47 إ.ج.
- أن يقوم قاضي التحقيق بنفسه بتفتيش مسكن المتهم، فلا يجوز له إنابة ضابط الشرطة القضائية لمثل هذا التفتيش.
- أن يحضر عملية التفتيش وكيل الجمهورية، و لهذا فإن قانون الإجراءات الجزائية يلزم قاضي التحقيق بإخطار وكيل الجمهورية بانتقاله لتفتيش مسكن المتهم في غير الميقات القانوني.
ثانيا – في الجرائم الإرهابية أو التخريبية (1)
يقرر القانون، في إطار وضع أسس القانونية لمحاربة الجرائم الإرهابية و التخريبية، قواعد خاصة تسمح لقاضي التحقيق دخول المساكن و تفتيشها في أي وقت خارج الميقات القانوني المقرر في الحالات العادية، و له أن يأمر ضابط الشرطة القضائية المختص مكانيا بذلك، فتنص الفقرة الثانية من المادة 47 إ.ج "عندما يتعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية، يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم بأية عملية تفتيش أو حجز ليلا أو نهارا و في أي مكان على امتداد التراب الوطني أو يأمر ضباط الشرطة القضائية المختصين بذلك".
و تتميز هذه الحالة عن سابقتها أن قاضي التحقيق يسمح له القانون القيام بالإجراء بنفسه أو إنابة ضباط الشرطة القضائية للقيام به، في حين أنه لم يسمح له بذلك في الحالة الأولى فلا يقوم بالتفتيش خارج الميقات و في الجنايات إلا بنفسه و بتوافر الشروط المحددة في المادة 82 إ.ج.
1) طبقا للأمر 95-10 المعدل و المتمم لقانون إجراءات الجزائية الذي أضيفت بموجبه للمادة 47 فقرتان و للمادة 45 فقرة واحدة.
الفرع الثاني - بالنسبة للحضور:
إذا كان قانون الإجراءات الجزائية يضع قاعدة عامة في المادة 45 منه و التي أحال إليها بالمادتين 82، 83 منه، وهي وجوب أن يحضر عملية التفتيش صاحب المسكن متهما أو من كان يحوز في مسكنه أشياء تفيد في إظهار الحقيقة أو من ينوب عنهما أو بحضور شاهدين، فإنه وضع قاعدتين خاصتين بقاضي التحقيق تتعلق الأولى بتفتيش مساكن غير المتهمين و الثانية تتعلق بمساكن المتهمين.
أولا – تفتيش مساكن غير المتهمين:
يقرر القانون في المادة 83 إ.ج، فيما يتعلق بتفتيش مساكن من يحوزون في مساكنهم أشياء تفيد في إظهار الحقيقة، أن يكون الشاهدان أولا – في حالة تعذر حضور صاحب المسكن – من أقارب أو أصهار صاحب المسكن الحاضرين بمكان التفتيش، و لا يلجأ للشاهدين من الغير إلا في حالة عدم وجودهما بعين المكان، و هي قاعدة لم يقررها في المادة 45 بالنسبة لضباط الشرطة القضائية.
ثانيا – في الجرائم الإرهابية أو التخريبية:
يعفى قانون الإجراءات الجزائية قاضي التحقيق من قاعدة حضور صاحب المسكن أو الشاهدين في حالة قيامه بالتفتيش بمناسبة الجرائم الإرهابية أو التخريبية، فتنص الفقرة الأخيرة من المادة 45 على " لا تطبق هذه الأحكام إذا تعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية باستثناء الحفاظ على السر المهني المذكور أعلاه".(1)
نلاحظ أنه تمكينا لقاضي التحقيق من مباشرة التحقيق في ظروف تسمح بالوصول للحقيقة، فقد سمح له القانون الدخول عنوة للمساكن متى امتنع أصحابها عن ذلك، وفي سبيل ذلك يجوز له الاستعانة بالقوة العمومية أثناء عمله، فتنص الفقرة الثانية من المادة 38 إ.ج " و له سبيل مباشرة مهام وظيفته أن يستعين بالقوة العمومية" و نشير أن السماح له بالاستعانة بالقوة العمومية لا يعني السماح له بدخول المساكن خارج الميقات القانوني ما لم يكن القانون قد سمح له بذلك في حالتي تفتيش مسكن المتهم بجناية و بمناسبة الجرائم الموصوفة بالإرهابية أو التخريبية.
و نشير أن التفتيش قد يقترن باستجواب المتهم و في هذه الحالة يجب على قاضي التحقيق إذا ما رأى ضرورة لاستجواب المتهم أثناء قيامه بعملية تفتيش المساكن أن يدعو محامي المتهم المعني لحضور الاستجواب مع موكله.
(1) تنص المادة 45/4 "غير أنه يجب أن يراعى في تفتيش أماكن يشغلها شخص ملزم قانونا بكتمان السر المهني أن تتخذ جميع التدابير اللازمة لضمان احترام ذلك السر".
الفرع الثالث – بطلان التفتيش:
تنص المادة 48 إ.ج على أنه "يجب مراعاة الإجراءات التي استوجبتها المادتان 45، 47، و يترتب على مخالفتها البطلان ." التي جاءت تحت عنوان "في الجنايات و الجنح المتلبس بها." و التي أحال المشرع الجزائري في تنظيمه للتفتيش بواسطة قاضي التحقيق إلى بعض مواد هذا العنوان، و لم يحل إلى المادة 48 منه، التي تقرر بطلان الإجراءات إذا تمت بالمخالفة للقيود الواردة فيه، فهل يعني هذا أنه لا يترتب البطلان على خرق تلك الأحكام السابقة في مرحلة التحقيق؟.
يكتسي التفتيش أهمية خاصة من حيث أنه يتعلق بالاطلاع على أسرار الأفراد في مكمن سرهم، هذه الأهمية تستدعي وجوب احترام القيود المقررة قانونا لإجرائه و إلا ترتب على مخالفتها بطلان الإجراء (1) و بغض النظر عن الإطار الذي تم فيه مثل هذا الإجراء، و هذا يعني أن هذا قاضي التحقيق يجب عليه أن يلتزم بأحكام المواد45،46،47،82،83 إ.ج و إلا ترتب على مخالفتها بطلان التفتيش. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، هل يجب على قاضي التحقيق التقيد بأحكام المواد (2) حتى في حالة رضاء صريح من صاحب المسكن؟. و بعبارة أخرى هل يجوز لصاحب الشأن التنازل عنها؟.
ينص القانون الإجراءات على حق صاحب الشأن في التنازل عن القيود المقررة لصالحه في المادتين 45،47 في مرحلة البحث التمهيدي، فتنص المادة 47 إ.ج على أنه " ولا يجوز البدء في تفتيش المساكن أو معاينتها… إلا إذا طلب صاحب المنزل"، و تنص المادة 64 إ.ج على أنه "لا يجوز تفتيش المساكن و معاينتها و ضبط الأشياء المثبتة للتهمة إلا برضاء صريح من الشخص …." و عملا بالقواعد العامة، خاصة و أن التحقيق يجريه قاضي التحقيق يستقل في عمله فلا يخضع لغير القانون (3) فإنه يجوز لصاحب الشأن أن يتنازل عن تلك القيود إعمالا لحكمي المادتين 47،64 المقررتين لحقه في تقديم طلب بدخول مسكنه و معاينته و تفتيشه في أي وقت شاء، أي حقه في الرضاء بذلك، بشرط أن يكون رضاء صريحا بهذا الغرض، و عليه فإنه و في غير هاتين الحالتين فإن الدخول و التفتيش إذا تما خرقا للأحكام الوردة في المواد 45،47،82،83 إ.ج وقعا باطلين طبقا للمادة 48 إ.ج.
(1) د. محمد لعساكر: ملخص محاضرات ... ص 72.
(2) خاصة أن القانون يحيله على تلك المواد.
(3) عكس ضباط الشرطة القضائية الذين لا يتمتعون بأي نوع من الاستقلالية في أداء وظيفتهم الضبطية بسبب تبعيتهم لسلطة رئاسية و خضوعهم للإشراف و المراقبة من طرف النيابة العامة و غرفة الاتهام.
المطلب الثالث – تفتيش المتهم:
إن قانون الإجراءات الجزائية لم ينظم تفتيش الأشخاص أصلا، فتفتيش الأشخاص يخضع للقواعد العامة، و هي قواعد تقوم على وجوب احترام حقوق الأفراد بعدم التعرض لهم إلا في الحدود التي تقتضيها المصلحة العامة، و عليه فإن قاضي التحقيق يستطيع قانونا أن يجري تفتيشا على كل شخص وجهت له النيابة العامة اتهاما بمناسبة جناية أو جنحة في طلبها الافتتاحي أو طلب إضافي ، أو كل شخص يوجه له هو – أي قاضي التحقيق – الاتهام إعمالا لحكم المادة 67 إ.ج ، أما بالنسبة لغير المتهم فإنه يجوز تفتيشه متى كان بمناسبة تفتيش المسكن الذي يحتمل أن توجد فيه أشياء تفيد في إظهار الحقيقة، أو إذا قامت ضده دلائل كافية على حيازته أشياء ذات علاقة بالجريمة موضوع التحقيق.
- الفصل الأول: في الاختصاص و عرض الموضوع
- المبحث الأول: في الاختصاص
- المطلب الأول: في الاختصاص الإقليمي
- الفرع الأول: الاختصاص المحلي
- الفرع الثاني: الاختصاص الوطني
- المطلب الثاني: الاختصاص الشخصي
- المطلب الثالث: الاختصاص النوعي
- المبحث الثاني: طرق عرض الموضوع على قاضي التحقيق
- المطلب الأول: الطلب الافتتاحي
- المطلب الثاني: شكوى مصحوبة بادعاء مدني
- الفصل الثاني: اختصاصات قاضي التحقيق
- المبحث الأول: أعمال التحقيق
- المطلب الأول: الانتقال للمعاينة
- المطلب الثاني: تقيين المسكن
- الفرع الأول: بالنسبة للميقات
- الفرع الثاني: بالنسبة للحضور
- الفرع الثالث: بطلان تفتيش
- المطلب الثالث: تفتيش المتهم
- المطلب الرابع: ضبط الأشياء
- المطلب الخامس: الخبرة
- المطلب السادس: الشهادة
- الفرع الأول: إجراءات الإدلاء بالشهادة
- الفرع الثاني: تخلف الشاهد على الحضور
- الفرع الثالث: امتناع الشاهد عن أداء اليمين أو الإدلاء بالشهادة
- الفرع الرابع: الأشخاص الذي يمنع سماع شهادتهم
- الفرع الخامس: أداء الشهادة
- المطلب السابع: فحص شخصية المتهم
- المطلب الثامن: الاستجواب و المواجهة
- الفرع الأول: الحضور الأول
- الفرع الثاني: ضمانات المتهم في الاستجواب
- الفرع الثالث: حكم إطالة الاستجواب لإرهاق المتهم
- الفرع الرابع: حكم تعذيب المتهم
- الفرع الخامس: تحرير محضر الاستجواب
- المطلب التاسع: الإنابة القضائية
- المبحث الثاني: أوامر قاضي التحقيق
- المطلب الأول: أوامر التحقيق في مواجهة المتهم
- الفرع الأول: الأمر بإحضار
- الفرع الثاني: الأمر بالقبض
- الفرع الثالث: الأمر بالإيداع
- الفرع الرابع: الحبس المؤقت و دلائله
- المطلب الثاني: أوامر التصرف في التحقيق
- الفرع الأول: الأمر بالأوجه للمتابعة
- الفرع الثاني: الأمر بالإحالة
- المطلب الثالث: استئناف أوامر قاضي التحقيق
- الفرع الأول: الأوامر الجائز استئنافها
- الفرع الثاني: من لهم حق الاستئناف؟
- الخـــــــــــاتمة
مقـــــــــــدمـة:
يقصد بالتحقيق لغة الكشف عن حقيقة مجهولة، و قضاء التحقيق هو الجهة المختصة التي يناط إليها التحقيق القضائي علما أن الجزائر كسائر أغلب التشريعات المعاصرة تأخذ بمبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام و التحقيق، فالأولى من اختصاص النيابة العامة و الثانية من اختصاص قاضي التحقيق كدرجة أولى للتحقيق (المواد من 66 إلى 175 من ق.إ.ج) و غرفة الاتهام كدرجة ثانية و عليا للتحقيق (المواد من 176 إلى 2001 ق.إ.ج).
قاضي التحقيق هو أحد أعضاء الهيئة القضائية، فهو بطبيعة وظيفته من قضاة الحكم يجمع بين صفتين متلازمتين:- فهو من جهة يقوم بأعمال الشرطة القضائية من تحقيق و تحري بحثا عن الحقيقة، و من جهة ثانية هو قاضي يصدر خلال التحقيق قرارات و أوامر متنوعة كما نصت المادة 38 ق.إ.ج " يناط لقاضي التحقيق إجراءات البحت و التحري و لا يجوز له أن يشترك في الحكم في قضايا نظرها بصفته قاضيا للتحقيق و إلا كان الحكم باطل " فقاضي التحقيق بالإضافة إلى التحقيق قد يقوم بوظائف قاضي الحكم فيستعان به عند الضرورة للقيام مقام قاضي متغيب أو في عطلة مرضية أو عطلة سنوية ، فيقوم مقامه و يترأس جلسات المحكمة ما عدا القضايا التي قام بالتحقيق فيها فلا يجوز له الحكم فيها أصلا و إلا كان الحكم باطلا كما جاء صراحة في نص المادة 38 ق.إ.ج.
يتم تعيين قاضي التحقيق من بين قضاة المحكمة بمقتضى مرسوم رئاسي و تنتهي مهامه بنفس الطريقة و ذلك طبقا للمادة 39 من ق.إ.ج و يمكن تعدد قضاة التحقيق على مستوى اختصاص إقليمي لمحكمة واحدة، كما يمكن أن يجمع قاضي التحقيق واحد بين مجموعة محاكم، ففي الحالة الأولى حيث يتعدد قضاة التحقيق يرجع أمر اختيار المحقق للتحقيق في موضوع ما لوكيل الجمهورية حيث يقدم طلبه بافتتاح تحقيق للقاضي الذي يختاره له فتنص المادة 70/01 من ق.إ.ج " إذا وجد بإحدى المحاكم عدة قضاة تحقيق فان وكيل الجمهورية على مستوى المحكمة هو المخول قانونا اختيار قاضي التحقيق الذي يراه جديرا بالتحقيق لكل قضية فوكيل الجمهورية خوله القانون سلطة تنحيته من التحقيق بناء على طلب المتهم أو المدعي المدني، علما أن قاضي التحقيق غير ملزم قانونا بتلبية طلبات النيابة العامة، و القانون يقرر للنيابة العامة سلطة الطعن في أوامر قاضي التحقيق طبقا للمادة 170 من ق.إ.ج.
إن البحث في موضوع قاضي التحقيق موضوع متشعب و واسع لذلك ارتأينا إلى تقسيم هذا البحث المتواضع إلى فصلين ، الفصل الأول خصصناه لاختصاص قاضي التحقيق و طرق عرض الدعوى عليه و الفصل الثاني تطرقنا من خلاله إلى اختصاصات قاضي التحقيق التي تناولنا فيها أعمال التحقيق و أوامر قاضي التحقيق.
الفصـل الأول
فـي الاخـــتصـاص و عــرض الموضــوع
سوف نتعرض في هذا الفصل لنقطتين، الأولى هي الاختصاص الإقليمي لقاضي التحقيق و الثانية هي طرق عرض الموضوع عليه لان قاضي التحقيق لا ينعقد له الاختصاص تلقائيا. (1)
(1) فحتى بالنسبة للجنايات و الجنح المتلبس بها و إن سمح القانون لقاضي التحقق بمباشرة إجراءات البحث و التحري طبقا للمادة 60/1 إج إلا أن الفقرة الثالثة من نفس المادة تنص على أنه في حالة حضور قاضي التحقيق و وكيل الجمهورية مكان الحادث جاز لهذا الأخير أن يطلب من قاضي التحقيق فتح محضر تحقيق قانوني، بالإضافة إلى أن الفقرة الأولى من المادة 67 إج تنص " لا يجوز لقاضي التحقيق أن يجري تحقيقا إلا بموجب طلب من وكيل الجمهورية لإجراء التحقيق حتى و لو كان ذلك بصدد جناية أو جنحة متلبس بها". مما يدل على أن التحقيق لا يكون بمبادرة من المحقق و إنما بناء على طلب النيابة العامة.
المبحث الأول – في الاختصاص:
يتحدد اختصاص قاضي التحقيق من خلال الأشخاص و الوقائع و الإقليم، فيوصف بالاختصاص الشخصي من خلال النظر لشخص المتهم و مدى خضوعه لسلطان القضاء الوطني من جهة و مدى خضوعه لسلطان الجهة و اختصاص قاضي التحقيق به أم لا، و يوصف بالاختصاص النوعي من خلال النظر للوقائع المعروضة من جهة أخرى، و يتحدد الاختصاص أخيرا من خلال الدائرة المكانية فيوصف بالاختصاص الإقليمي.
المطلب الأول – الاختصاص الإقليمي:
يقصد بالاختصاص الإقليمي المجال المكاني الذي يباشر فيه قاضي التحقيق عمله في التحقيق باتخاذ إجراءاته، و يضيق هذا المجال المكاني بحسب ما يقرره القانون من دوائر اختصاص مكانية ، فقد يكون اختصاصا محليا يمكن تمديده لدوائر اختصاص أخرى، و قد يكون وطنيا يشمل كل تراب الجمهورية.
الفرع الأول: الاختصاص المحلي:
يتحدد الاختصاص المحلي بدائرة اختصاص المحكمة أو المحاكم التي يباشر فيها قاضي التحقيق وظيفته، كما يمكن أن يمتد هذا الاختصاص المحلي بحسب ما إذا كانت هناك ضرورة تدعو لذلك أم لا، فتنص المادة 40/2 إ.ج "... و مع ذلك فيجوز في حالة الضرورة أن يمتد هذا الاختصاص بقرار وزاري إلى دائرة اختصاص محاكم أخرى.
الفرع الثاني – الاختصاص الوطني:
الاختصاص الوطني يشمل كامل تراب الجمهورية، و هو اختصاص استثناء من الأول يتحدد بنطاق ضرورة التحقيق "المادة 80 إ. ج " أو بتحديد القانون الحالات التي يكون فيها الاختصاص وطنيا، وهو اختصاص يتحدد بالجرائم الموصوفة بالأعمال الإرهابية أو التخريبية ، و في إجراءات معينة كالتفتيش والحجز طبقا للمادة 47/3 إ.ج (1) التي تنص "عندما يتعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخربيبة، يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم بأية عملية تفتيش أو حجز ليلا أو نهارا،و في أي مكان على امتداد التراب أو يأمر ضابط الشرطة القضائية المختص بذلك" ،
(1) المضافة بالأمر 95-10 المتضمن تعديل قانون الإجراءات الجزائية
و تحدد المادة 40/1 إ.ج الحالات التي يعقد فيها الاختصاص لقاضي التحقيق، فتنص "يتحدد اختصاص قاضي التحقيق محليا بمكان وقوع الجريمة أو بمحل إقامة أحد الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في اقترافها أو بمحل القبض على أحد هؤلاء الأشخاص حتى و لو كان هذا القبض قد حصل لسبب آخر."
و هذا يعني أن اختصاص قاضي التحقيق المكاني، و مباشرته لإجراءات التحقيق يتقيد فيها - بالإضافة إلى وجوب تقديم طلب من وكيل الجمهورية ممثل النيابة العامة (1) أو ادعاء مدني من المتضرر من الجريمة عما لحقه من ضرر بسبب الجريمة – و لانعقاد الاختصاص المكاني يجب توافر حالة من الحالات الثلاثة التالية:
1- أن تكون الجريمة قد اقترفت في دائرة اختصاص قاضي التحقيق المكاني، و يقصد بمكان ارتكاب الجريمة المكان الذي وقعت فيه الجريمة كاملة أو أحد العناصر المكونة للركن المادي و يتحدد مكان إرتكابها بحسب طبيعة الجريمة، وقتية أو مستمرة، مركبة أو بسيطة أو شروعا، فالجريمة الوقتية تعتبر مرتكبة في أي مكان وقع فيه عنصر من عناصر الركن المادي، أما المستمرة فتعتبر واقعة في كل مكان تحققت فيه صورة من صور الاستمرار، أما الجريمة المركبة كالجرائم الاعتياد و المتتابعة الأفعال، فإن كل مكان يقع فيه فعل من الأفعال الاعتياد أو فعل من أفعال التتابع تعتبر الجريمة مرتكبة فيه.
2- أن تكون إقامة أحد المشتبه في ارتكابهم الجريمة بنفس دائرة الاختصاص، و يتحدد مكان الإقامة بوقت إتيان الجريمة، و هو الزمن الذي ينشأ فيه حق الدولة في متابعة المتهم و عقابه.
3- أن يكون قد القي القبض على أي من المشتبه فيهم، أو أي من المتهمين في تلك الدائرة.
و نلاحظ إذن أن عدم توافر عنصر من العناصر السابقة يجعل القاضي التحقيق غير المختص مكانيا فيقضي بعدم اختصاصه، و هي حالة تتعلق حيث يكون الاختصاص المكاني محليا و لا تتعلق بحالة اختصاصه الوطني من جهة و من جهة أخرى فإن الأمر يتعلق بجريمة وقعت في الإقليم الوطني.
(1) مع ملاحظة أن قاضي التحقيق يجوز له اتهام كل شخص تكون النيابة العامة لم تذكره في طلباتها و لكنه اتهام يتعلق بالوقائع المعروضة عليه طبقا للفقرتين الثالثة و الرابعة من المادة 67 إ.ج.
المطلب الثاني – الاختصاص الشخصي:
الأصل أن القاضي التحقيق يحقق في جميع الجرائم جنايات و جنح و مخالفات، التي تقدم بشأنها النيابة طلباتها و مع جميع الأشخاص المتهمين من طرف النيابة العامة الواردة أسماؤهم في طلباتها طبقا للمادتين 35/1، 67/1 إ.ج ، أو الأشخاص الدين يرى قاضي التحقيق وجها لاتهامهم بالوقائع المعروضة عليه طبقا للمادة 67/3، إلا أن هذه القاعدة ليست مطلقة، لان القانون أحيانا يقيـد
القاضي من حيث الأشخاص الذين يجوز التحقيق معهم، فيخول التحقيق مع مثل هذه الفئات لجهات أخرى غير قاضي التحقيق، فالتحقيق مع الأحداث الذين لم يبلغوا سن الرشد الجنائي يخرج عن نطاق اختصاص قاضي التحقيق نوعيا بالتحقيق في جناية أو جنحة يقترفوها المادتان 449/3، 452 إ.ج ، و العسكريون ومن في حكمهم وفقا لأحكام قانون القضاء العسكري الصادر بالأمر 71-28.
المطلب الثالث – الاختصاص النوعي:
يقصد بالاختصاص النوعي المجال الجرمي الذي يباشر فيه قاضي التحقيق مهامه، فيحقق كأصل عام في كل جريمة معاقب عليها طبقا لقانون العقوبات أو القوانين المكملة له هذا من جهة، و من جهة أخرى ما هي الجرائم التي يحقق فيها و ما هي الجرائم التي تخرج عن المجال اختصاصه ؟ فتنص المادة 66 إ.ج " التحقيق الابتدائي وجوبي في مواد الجنايات أما في مواد الجنح فيكون اختياريا ما لم تكون ثمة نصوص خاصة، كما يجوز إجراؤه في مواد المخالفات إذا طلبه وكيل الجمهورية " فالقاعدة أن التحقيق عام لكل الجنايات فلا يجوز فيها رفع الدعوى مباشرة أمام المحكمة، في حين أنه في مواد الجنح يقرر القانون قاعدة عامة يرد عليها استثناء، و هي أن التحقيق في الجنح عموما غير إلزامي، إلا في الحالات التي ينص القانون على ذلك كجرائم النصب و خيانة الأمانة و الإفلاس التي تتطلب بطبيعتها التحقيق (1) و جنح الأحداث المادتين 449/3، 452/3 إ.ج (2)، و جنح الصحافة أو الجنح ذات الصبغة السياسية أو تلك التي تخضع فيها المتابعة الإجراءات خاصة المادة 54/3 إ.ج ، أما المخالفات فترك المشرع أمر تقدير مدى ضرورة التحقيق فيها لسلطة وكيل الجمهورية، و بالتالي فالتحقيق وجوبي في مواد الجنايات و الجنح بنصوص خاصة، فتلتزم النيابة العامة كما رأت وجها لإقامة الدعوى، بتقديم طلب لقاضي التحقيق تطلب فيه فتح تحقيق، أما في مواد الجنح كأصل و المخالفات عامة فتضل النيابة صاحبة السلطة في اختيار الإجراء الذي تراه أصلح، بين طلب فتح تحقيق و بين رفع الدعوى مباشرة أما محكمة الجنح و المخالفات و بين الأمر بحفظ الأوراق الأعمال لقاعدة الملائمة التي تتمتع بها في اختيار الإجراء الذي تراه مناسبا.
(1) د- محمد لعساكر - ملخص محاضرات في المادة القانون الإجراءات الجزائية – طلبة السنة الثالثة – السنة الجامعية 89-90 .
(2) نلاحظ أن القانون يقرر حالات لا يختص بالتحقيق فيها قاضي التحقيق، الأحداث يقرر القانون قواعد خاصة بهم في المواد 442 – 492 إ.ج من بينها عدم اختصاص قاضي التحقيق بالتحقيق معهم المادة 449/3 إ.ج.
المبحث الثاني – طرق عرض الموضوع على قاضي التحقيق:
تنص المادة 38/3 إج ".... و يختص بالتحقيق في الحادث بناء على طلب وكيل الجمهورية أو شكوى مصحوب بادعاء مدني ضمن الشروط المحددة في المادتين 67 و 73 إ.ج " و هو ما يعني أن قاضي التحقيق لا يمكن وضع يده على قضية ما بالتحقيق فيها إلا بناء على أحد أمرين طلب افتتاحي من النيابة العامة أو شكوى من المتضرر من الجريمة يدعي فيها بأنه لحقه ضرر من جريمة ما.
المطلب الأول – الطلب الافتتاحي:
بالإضافة لنص المادة 38/3 السابقة، تنص المادة 67/1 من نفس القانون " لا يجوز لقاضي التحقيق أن يجري تحقيقا إلا بموجب طلب من وكيل الجمهورية الإجراء التحقيق حتى و لو كان ذلك بصدد جناية أو جنحة متلبس بها." ، فالشرطة القضائية عند انتهائها من عملها ترسل محاضرها لوكيل الجمهورية الذي يرجع له أمر التصرف إلى نتائج بحثها و تحريها، بالإضافة للبلاغات و الشكاوي المقدمة له طبقا للمادة 36 إ.ج الذي يقدر مدى جديتها، و هو ما يدل على أن سلطة التقدير و الملائمة بين تحريك الدعوى العمومية بالسير في الدعوى أو حفظ الأوراق بعدم السير فيها من اختصاص وكيل الجمهورية، فإذا قدر جدية تلك الشكاوي أو البلاغات و المحاضر و رأى ضرورة لتحريك الدعوى العمومية وجب عليه تقديم طلب لقاضي التحقيق في المسائل المتعلقة بالجنايات عموما و الجنح التي يجب فيها التحقيق بنص صريح من القانون، أما في الجنح كأصل و المخالفات عامة فيقدم طلبا له متى رأى ضرورة التحقيق فيها.
و الطلب الذي يقدمه وكيل الجمهورية لقاضي التحقيق، يطلب فيه منه فتح تحقيق في موضوع ما، قد يكون طلبا ضد شخص معلوم كما يمكن أن يكون ضد شخص غير معلوم طبقا للفقرة الثانية من المادتين 67، 73 إج و هو ما يطلق يد قاضي التحقيق بالنسبة للأشخاص المادة 67/3 إ.ج و الملاحظ أن النيابة العامة لا يلزمها القانون بوجوب التقييد بطلباتها الكتابية الواردة في الطلب الافتتاحي ، فيجوز لها تقديم طلبات إضافية، فتنص المادة 69/1 إ.ج "يجوز لوكيل الجمهورية سواء في طلب افتتاحي لإجراء التحقيق أو بطلب إضافي في أي مرحلة من مراحل التحقيق أن يطلب من القاضي المحقق كل إجراء يراه لازما لإظهار الحقيقة. " و تنص الفقرة الثانية من المادة 31 إ.ج " و لهم ممثلو النيابة العامة – أن يبدوا و بكل حرية ملاحظاتهم الشفوية التي يرونها لازمة لصالح العدالة".
المطلب الثاني – شكوى مصحوبة بادعاء مدني:
عملا بحكم المادة 38/3 إ.ج التي تقضي "... و يختص بالتحقيق في الحادث بناء على طلب وكيل الجمهورية أو شكوى مصحوبة بادعاء مدني ضمن الشروط المحددة في المادتين 67 و 73 " و المادة 72 من نفس القانون التي تقرر حق كل شخص تضرر من جريمة ما أن يدعي ماديا بتقديم شكوى لقاضي التحقيق المختص محليا و نوعيا ، فتنص "يجوز كل شخص يدعي بأنه مضار بجريمة أن يدعي مدنيا بأن يتقدم بشكواه أمام قاضي التحقيق المختص." (1) يقدم طلبا لقاضي التحقيق يطلب فيه تعويضه عما لحقه من ضرر بسبب جريمة وقعت ، يلتزم المدعي المدني بتقديم كفالة ضمانا لدفع المصاريف القضائية ما لم يعف منها عن طريق حصوله على المساعدة القضائية و أن يختار موطنا في دائرة اختصاص قاضي التحقيق المختص ما لم يكن متوطنا بنفس دائرة الاختصاص.
(1) و يجوز للمدعي المدني الإدعاء مباشرة أمام محكمة الجنح و المخالفات في الخالات المقررة في المادة 337 مكرر.
الفصــــل الثــــانـي
إختصاصات قاضــــي التحقـــــيق
تتعدد اختصاصات قاضي التحقيق و تتنوع بحسب طبيعة الإجراء و الغرض من مباشرته و مدى تعلقه بالمتهمين و فترة اتخاذه ، فهناك إجراءات يباشرها الغرض منها الحصول على الدليل و تمحيصه تسمى أعمال التحقيق، و هناك إجراءات أخرى يباشرها المحقق و لها طبيعة خاصة تسمى الأوامر، و هي على نوعين أوامر يتخذها في مواجهة متهم معين كالأمر بالقبض و الأوامر بالإيداع في مؤسسة عقابية ... الغرض منها التمهيد للحصول على دليل الجريمة أو تأمينية ، و أوامر يتخذها عقب انتهاء من التحقيق كالأمر بألاوجه للمتابعة ... و عليه فإن إجراءات التحقيق تتنوع إلى:
أعمال قاضي التحقيق
أوامر التحقيق في مواجهة المتهم
أوامر قاضي التحقيق عند انتهاء التحقيق
المبحث الأول – أعمــال التحـقيـق
يطلق على هذه الإجراءات أيضا إجراءات جمع الأدلة، حيث يسمح القانون لقاضي التحقيق بالقيام بأي إجراء يراه ضروريا للكشف عن الحقيقة، فتنص المادة 68/1 إ.ج "يقوم قاضي التحقيق وفقا للقانون، باتخاذ جميع إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية للكشف عن الحقيقة، بالتحري عن أدلة الاتهام و أدلة النفي. " و هو ما يعني أن المحقق لا يلتزم في مباشرته لإجراءات التحقيق بترتيب معين لها، و لا باتخاذه جميع الإجراءات أو بعضها دون البعض الآخر، فهو الذي يختار في كل قضية معروضة عليه الإجراء الذي يقدر أنه يفيد التحقيق و من شأنه أن يساعد في إظهار الحقيقة، و يرتبها بحسب ما يراه و ما تقتضيه تلك المصلحة، و قد ورد ذكر أعمال التحقيق في القانون و هي الانتقال للمعاينة و التفتيش و ضبط الأشياء و سماع شهادة الشهود و الاستجواب و المواجهة و ندب الخبراء و الإنابة القضائية و التحقيق في شخصية المتهم.
المطلب الأول – الانتقال للمعاينة:
المعاينة عمل من أعمال التحقيق يتطلب انتقال لمكان وقوع الجريمة لمعادلة حالة الأمكنة و الأشياء و الأشخاص و وجود الجريمة ماديا و كل ما يلوم إثبات حالته، قبل أن يكون أي منها عرضة لمؤثرات خارجية - المادة 96 إ.ج - (1) و المعاينة كإجراء من إجراءات التحقيق يترك أمر تقدير مدى ضرورته للمحقق، فإنه إذا بادر قاضي التحقيق بإجراء المعاينة وجب عليه الانتقال و المعاينة قبل زوال آثار الجريمة أو تغيير معالم المكان خوفا على ضياع الحقيقة إذا تباطأ المحقق في الانتقال، فتنص المادة 79 إ.ج " يجوز لقاضي التحقيق الانتقال إلى أماكن وقوع الجرائم لإجراء جميع المعاينات اللازمة، أو القيام بتفتيشها، و يخطر بذلك وكيل الجمهورية الذي له الحق في مرافقته، و يستعين قاضي التحقيق دائما بكاتب التحقيق و يحرر محضرا بما يقوم به من إجراءات." و قد تقترن المعاينة بإعادة تمثيل الجريمة و بحضور الأطراف في الدعوى فتنص المادة 96 إ.ج " يجوز للقاضي مناقشة الشاهد و مواجهته بشهود آخرين أو بالمتهم، و أن يجري بمشاركتهم كل الإجراءات و التجارب الخاصة بإعادة تمثيل الجريمة مما يراه لازما لإظهار الحقيقة".
و قد يقتضي الانتقال للمعاينة أحيانا خروج المحقق عن دائرة اختصاصه المكاني بتمديده لدائرة اختصاص أخرى، مما يتطلب منه الالتزام بأحكام المادة 80 إ.ج التي تضع شروطا لذلك:
(1) قد يصاحب إجراء الانتقال و المعاينة قيام المحقق بتفتيش الأمكنة و ضبط الأشياء أو سماع شهادة الشهود و في هذه الحالة يلتزم بالقواعد المقررة لكل إجراء.
- أن تكون هناك ضرورة للانتقال خارج مجال اختصاصه المكاني.
- أن يخطر وكيل الجمهورية الذي يعمل في نفس دائرة اختصاصه، الذي يجوز له مرافقته في انتقاله.
- أن يخطر وكيل الجمهورية المختص مكانيا في دائرة الاختصاص المعنية بهذا التمديد.
- أن يحدد في محضر المعاينة الأسباب الذي دعته لتمديد دائرة اختصاصه المكانية.
المطلب الثاني – تفتيش المساكن:
التفتيش كالمعاينة يتطلب الانتقال إلى المساكن المراد تفتيشها، و هو يهدف للبحث عن دليل جريمة وقعت فعلا و تحقيقه، فلا يجوز أن يستند التفتيش على إمكان وقوع جريمة مستقبلا (1) و لو كانت كل التحريات و الدلائل تدل جميعها على أن الجريمة ستقع لا محالة، و هي حالة لا تخول غير اتخاذ الإجراءات الأمنية و الاحتياطية أو الوقائية التي من شأنها أن تمنع وقوع الجريمة، و التفتيش كإجراء من إجراءات التحقيق يسمح للمحقق بالبحث في أي مكان من المسكن بغرض الحصول على ما يفيد في إظهار الحقيقة.
و قد نظم قانون الإجراءات الجزائية أحكام التفتيش و حدود مباشرة قاضي التحقيق له في المواد، 47/3 ،82،83 منه، فتنص المادة 82 " إذا حصل التفتيش في مسكن المتهم فعلى قاضي التحقيق أن يلتزم بأحكام المواد من 45 إلى 47 …" و تنص المادة 83 " و على قاضي التحقيق أن يلتزم بمقتضيات المادتين 45 و 47 …"، و تنص المادة 47 في فقرتها الثالثة "عندما يتعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية، يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم بأية عملية تفتيش أو حجز ليلا أو نهارا و في أي مكان على امتداد التراب الوطني أو يأمر ضباط الشرطة القضائية المختصين بذلك ".
الفرع الأول – بالنسبة للميقات :
إذا كان القانون الإجرائي يضع قاعدة عامة و هي حصانة المسكن ليلا، بعدم جواز دخوله و تفتيشه ليلا طبقا للمادة 47 إ.ج ، فإنه سمح لقاضي التحقيق بالتفتيش ليلا خارج الميقات المحدد بالمادة السابقة من الساعة 5 صباحا إلى الساعة 8 مساءا، في حالتين هما:
(1) لان القيام بالتفتيش في مثل هذه الحالة يضفي عليه طابع عدم المشروعية، لان التفتيش أساسه قيام الجريمة فعلا، فإذا لم تقع أو أنها ستقع مستقبلا، فلا يجوز إجراؤه ، و بالتالي يعتبر الدخول في مثل هذه الحالة غير مشروع ما لم يكن هناك سبب آخر يبرره، مثل رضاء صاحب المسكن بذلك.
(2)
أولا – في الجرائم الموصوفة بالجناية:
يجوز لقاضي التحقيق التفتيش في أي ساعة من ساعات الليل و النهار بشرط توافر الشروط المحددة في المادة 82 إ.ج التي تنص " ... غير أنه يجوز له في مواد الجنايات أن يقوم بتفتيش مسكن المتهم في غير الساعات المحددة في المادة 47 بشرط أن يباشر التفتيش بنفسه و أن يكون ذلك بحضور وكيل الجمهورية". هذه الشروط هي:
- أن يتم تفتيش المسكن بمناسبة جناية طبقا للمادتين 5، 27 ق.ع المعاقب عليها بالإعدام و السجن المؤبد و المؤقت من 5 إلى 20 سنة.
- أن يكون المسكن المراد تفتيشه مسكن المتهم، فلا يجوز تفتيش مسكن غير المتهم حتى و إن كان يشتبه فيه بأنه يحوز أوراقا أو أشياء متعلقة بالجناية في غير الميقات المحدد في المادة47 إ.ج.
- أن يقوم قاضي التحقيق بنفسه بتفتيش مسكن المتهم، فلا يجوز له إنابة ضابط الشرطة القضائية لمثل هذا التفتيش.
- أن يحضر عملية التفتيش وكيل الجمهورية، و لهذا فإن قانون الإجراءات الجزائية يلزم قاضي التحقيق بإخطار وكيل الجمهورية بانتقاله لتفتيش مسكن المتهم في غير الميقات القانوني.
ثانيا – في الجرائم الإرهابية أو التخريبية (1)
يقرر القانون، في إطار وضع أسس القانونية لمحاربة الجرائم الإرهابية و التخريبية، قواعد خاصة تسمح لقاضي التحقيق دخول المساكن و تفتيشها في أي وقت خارج الميقات القانوني المقرر في الحالات العادية، و له أن يأمر ضابط الشرطة القضائية المختص مكانيا بذلك، فتنص الفقرة الثانية من المادة 47 إ.ج "عندما يتعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية، يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم بأية عملية تفتيش أو حجز ليلا أو نهارا و في أي مكان على امتداد التراب الوطني أو يأمر ضباط الشرطة القضائية المختصين بذلك".
و تتميز هذه الحالة عن سابقتها أن قاضي التحقيق يسمح له القانون القيام بالإجراء بنفسه أو إنابة ضباط الشرطة القضائية للقيام به، في حين أنه لم يسمح له بذلك في الحالة الأولى فلا يقوم بالتفتيش خارج الميقات و في الجنايات إلا بنفسه و بتوافر الشروط المحددة في المادة 82 إ.ج.
1) طبقا للأمر 95-10 المعدل و المتمم لقانون إجراءات الجزائية الذي أضيفت بموجبه للمادة 47 فقرتان و للمادة 45 فقرة واحدة.
الفرع الثاني - بالنسبة للحضور:
إذا كان قانون الإجراءات الجزائية يضع قاعدة عامة في المادة 45 منه و التي أحال إليها بالمادتين 82، 83 منه، وهي وجوب أن يحضر عملية التفتيش صاحب المسكن متهما أو من كان يحوز في مسكنه أشياء تفيد في إظهار الحقيقة أو من ينوب عنهما أو بحضور شاهدين، فإنه وضع قاعدتين خاصتين بقاضي التحقيق تتعلق الأولى بتفتيش مساكن غير المتهمين و الثانية تتعلق بمساكن المتهمين.
أولا – تفتيش مساكن غير المتهمين:
يقرر القانون في المادة 83 إ.ج، فيما يتعلق بتفتيش مساكن من يحوزون في مساكنهم أشياء تفيد في إظهار الحقيقة، أن يكون الشاهدان أولا – في حالة تعذر حضور صاحب المسكن – من أقارب أو أصهار صاحب المسكن الحاضرين بمكان التفتيش، و لا يلجأ للشاهدين من الغير إلا في حالة عدم وجودهما بعين المكان، و هي قاعدة لم يقررها في المادة 45 بالنسبة لضباط الشرطة القضائية.
ثانيا – في الجرائم الإرهابية أو التخريبية:
يعفى قانون الإجراءات الجزائية قاضي التحقيق من قاعدة حضور صاحب المسكن أو الشاهدين في حالة قيامه بالتفتيش بمناسبة الجرائم الإرهابية أو التخريبية، فتنص الفقرة الأخيرة من المادة 45 على " لا تطبق هذه الأحكام إذا تعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية باستثناء الحفاظ على السر المهني المذكور أعلاه".(1)
نلاحظ أنه تمكينا لقاضي التحقيق من مباشرة التحقيق في ظروف تسمح بالوصول للحقيقة، فقد سمح له القانون الدخول عنوة للمساكن متى امتنع أصحابها عن ذلك، وفي سبيل ذلك يجوز له الاستعانة بالقوة العمومية أثناء عمله، فتنص الفقرة الثانية من المادة 38 إ.ج " و له سبيل مباشرة مهام وظيفته أن يستعين بالقوة العمومية" و نشير أن السماح له بالاستعانة بالقوة العمومية لا يعني السماح له بدخول المساكن خارج الميقات القانوني ما لم يكن القانون قد سمح له بذلك في حالتي تفتيش مسكن المتهم بجناية و بمناسبة الجرائم الموصوفة بالإرهابية أو التخريبية.
و نشير أن التفتيش قد يقترن باستجواب المتهم و في هذه الحالة يجب على قاضي التحقيق إذا ما رأى ضرورة لاستجواب المتهم أثناء قيامه بعملية تفتيش المساكن أن يدعو محامي المتهم المعني لحضور الاستجواب مع موكله.
(1) تنص المادة 45/4 "غير أنه يجب أن يراعى في تفتيش أماكن يشغلها شخص ملزم قانونا بكتمان السر المهني أن تتخذ جميع التدابير اللازمة لضمان احترام ذلك السر".
الفرع الثالث – بطلان التفتيش:
تنص المادة 48 إ.ج على أنه "يجب مراعاة الإجراءات التي استوجبتها المادتان 45، 47، و يترتب على مخالفتها البطلان ." التي جاءت تحت عنوان "في الجنايات و الجنح المتلبس بها." و التي أحال المشرع الجزائري في تنظيمه للتفتيش بواسطة قاضي التحقيق إلى بعض مواد هذا العنوان، و لم يحل إلى المادة 48 منه، التي تقرر بطلان الإجراءات إذا تمت بالمخالفة للقيود الواردة فيه، فهل يعني هذا أنه لا يترتب البطلان على خرق تلك الأحكام السابقة في مرحلة التحقيق؟.
يكتسي التفتيش أهمية خاصة من حيث أنه يتعلق بالاطلاع على أسرار الأفراد في مكمن سرهم، هذه الأهمية تستدعي وجوب احترام القيود المقررة قانونا لإجرائه و إلا ترتب على مخالفتها بطلان الإجراء (1) و بغض النظر عن الإطار الذي تم فيه مثل هذا الإجراء، و هذا يعني أن هذا قاضي التحقيق يجب عليه أن يلتزم بأحكام المواد45،46،47،82،83 إ.ج و إلا ترتب على مخالفتها بطلان التفتيش. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، هل يجب على قاضي التحقيق التقيد بأحكام المواد (2) حتى في حالة رضاء صريح من صاحب المسكن؟. و بعبارة أخرى هل يجوز لصاحب الشأن التنازل عنها؟.
ينص القانون الإجراءات على حق صاحب الشأن في التنازل عن القيود المقررة لصالحه في المادتين 45،47 في مرحلة البحث التمهيدي، فتنص المادة 47 إ.ج على أنه " ولا يجوز البدء في تفتيش المساكن أو معاينتها… إلا إذا طلب صاحب المنزل"، و تنص المادة 64 إ.ج على أنه "لا يجوز تفتيش المساكن و معاينتها و ضبط الأشياء المثبتة للتهمة إلا برضاء صريح من الشخص …." و عملا بالقواعد العامة، خاصة و أن التحقيق يجريه قاضي التحقيق يستقل في عمله فلا يخضع لغير القانون (3) فإنه يجوز لصاحب الشأن أن يتنازل عن تلك القيود إعمالا لحكمي المادتين 47،64 المقررتين لحقه في تقديم طلب بدخول مسكنه و معاينته و تفتيشه في أي وقت شاء، أي حقه في الرضاء بذلك، بشرط أن يكون رضاء صريحا بهذا الغرض، و عليه فإنه و في غير هاتين الحالتين فإن الدخول و التفتيش إذا تما خرقا للأحكام الوردة في المواد 45،47،82،83 إ.ج وقعا باطلين طبقا للمادة 48 إ.ج.
(1) د. محمد لعساكر: ملخص محاضرات ... ص 72.
(2) خاصة أن القانون يحيله على تلك المواد.
(3) عكس ضباط الشرطة القضائية الذين لا يتمتعون بأي نوع من الاستقلالية في أداء وظيفتهم الضبطية بسبب تبعيتهم لسلطة رئاسية و خضوعهم للإشراف و المراقبة من طرف النيابة العامة و غرفة الاتهام.
المطلب الثالث – تفتيش المتهم:
إن قانون الإجراءات الجزائية لم ينظم تفتيش الأشخاص أصلا، فتفتيش الأشخاص يخضع للقواعد العامة، و هي قواعد تقوم على وجوب احترام حقوق الأفراد بعدم التعرض لهم إلا في الحدود التي تقتضيها المصلحة العامة، و عليه فإن قاضي التحقيق يستطيع قانونا أن يجري تفتيشا على كل شخص وجهت له النيابة العامة اتهاما بمناسبة جناية أو جنحة في طلبها الافتتاحي أو طلب إضافي ، أو كل شخص يوجه له هو – أي قاضي التحقيق – الاتهام إعمالا لحكم المادة 67 إ.ج ، أما بالنسبة لغير المتهم فإنه يجوز تفتيشه متى كان بمناسبة تفتيش المسكن الذي يحتمل أن توجد فيه أشياء تفيد في إظهار الحقيقة، أو إذا قامت ضده دلائل كافية على حيازته أشياء ذات علاقة بالجريمة موضوع التحقيق.