أحكام الطلاق
* تعريف: طلّق طلاقاً: تحرّر من قيْده، وطَلَقت المرأة من زوجها طلاقاً أي تحلَّلت من قيد الزواج وخرجت من عصمته.
وتعريف الطلاق شرعاً: إنهاء عقد الزواج الصحيح في الحال أو في المآل بالصيغة الدالة عليه.
* والطلاق مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
يقول الله تعالى: ) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ( ويقول عز وجل: ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ( .
وأما السنة فمنها: " أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما طلّق امرأته وهي حائض فسأل عمر رضي الله عنه رسول الله r عن ذلك فقال: مُرْهُ فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدّة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " . رواه البخاري وغيره.
وقد أجمع المسلمون على جواز الطلاق.
* والحكمة في مشروعية الطلاق، أنه نظام واقعي بشري وهو من محاسن الشريعة الإسلامية ومن دلائل واقعيتها وعدم إغفالها مصالح الناس في مختلف ظروفهم وأحوالهم، إذ طبيعة النفوس وما يعتريها من تغيّرات منها ما يؤدّي إلى المنافرة والخلاف وقد يستعصى حل الخلاف وإزالة النُّقْرة فيما بين الزوجين فتكون المصلحة في هذه الحالة هو وقوع الطلاق والفرقة، حيث لا يبقى مصلحة في النكاح ومقاصدهُ فتغلب مصلحة الطلاق، لأن في بقاء الرابطة الزوجية بعد فساد الحال بين الزوجين مفسدة ومضرة وسوء معاشَرة من غير فائدة.
وقد يكون العقم وعدم النسل بسبب من الزوج والمراة تتطلع إلى الذرية والنسل فتطلب الطلاق لتحقق أمنيتها مع زوج آخر.
* ولكن لماذا كان الطلاق بيد الرجل ؟
1- لأن القوامة بأصل الخلْقة للرجل، 2- ولأن الطلاق أمر خطير لأن فيه حل الرابطة الزوجية التي عقدت في الأصل لتكون طوال العمر، فلا يجوز التَّعجُّل في إنهائها، والملاحظ الذي يؤيده الواقع أن الرجل أكثر احتمالاً وصبراً على ضبط عواطفه وانفعالاته عند الغضب ودواعيه من المرأة، ولا يقدح في هذا أن بعض النساء قد يكنَّ أقْدر وأكمل ولكن هذا على النادر والأحكام تُبْنى على الغالب. وقد ذكرت بعض الزوجات لي بقولهن: لو أن الطلاق بيدنا ما كان في الغالب يوجد زواج دائم، فكلنا عندما نغضب نقول لأزواجنا: طلِّقنا .
3- الزواج والطلاق يحمّل الزوج تبعات مالية وهذا يحْمل الزوج على التأنِّي وعدم العجلة في تطليق زوجته. 4- وعموماً من حق المرأة التي لا ترضى بدوام العشرة مع زوجها أن تفدي نفسها بالخُلْع، أو أن تطلب وتشترط لنفسها عند عقد الزواج حق الطلاق بيدها.
* حكم الطلاق:
الطلاق تصرّف شرعي يقوم به الزوج، ولذلك كان فعله يعتريه الأحكام الشرعية من الوجوب والحرمة والإباحة والكراهة فهو يباح عند الحاجة لسوء خلق الزوجة ولسوء عشرتها، ويكره الطلاق في غير حاجة، ويحرم الطلاق في الحيض والنفاس، ويجب كطلاق المُولي بعد التَرَّبُّص أربعة أشهر من حلفه إذا لم يفيء، ويستحب الطلاق عند التفريط في حقوق الله تعالى كترك الصلاة، أو في التفريط في حقوق الزوج أو للبغض الشديد للزوجة.
* هل الأصل في الطلاق الحظْر أو الإباحة ؟ على قوْلين:
1- الأصل في الطلاق الإباحة: قال الإمام القرطبي في تفسيره: دلّ الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أن الطلاق مباح غير محظور. وقال ابن المنذر: ليس في منع الطلاق خبر يثبت. وقال ابن عابدين: إيقاع الطلاق مباح عند العامة لإطلاق الآيات وهو المذهب عند الحنفية وغيرهم.
والحجة لهذا الرأي قوله تعالى: ) لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ( وقوله تعالى: ) فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ( وذلك يقتضي إباحة إيقاع الطلاق، وأن الأصل فيه الإباحة لا الحظر. وقد طلق النبي r حفصة رضي الله عنها حتى نزل عليه الوحي بمراجعتها لأنها صوّامة قوّامة .
كما طلق غير واحد من الصحابة y .
2- القول الثاني أن الأصل في الطلاق الحظر، والحجة لذلك: أن الزواج عقد مسنون، بل هو واجب أحياناً، فكان الطلاق قطعاً للسنة. وتفويتاً للواجب، فيكون الأصل فيه الحظر، مباح نظراً إلى الحاجة إلا كان كفران نعمة وسوء أدب فيكره. وقال ابن تيمية: لولا أن الحاجة داعية إلى الطلاق لكان الدليل يقتضي تحريمه، ولكن الله تعالى أباحه رحمة منه بعباده لحاجتهم إليه أحياناً، وإن الله يبغض الطلاق وإنما يأمر به الشياطين والسحرة كما قال الله تعالى: ) فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ( وفي الصحيح عن النبي r قال: " إن الشيطان ينصب عرشه على الماء ويبعث جنوده، فأقربهم إليه منزلة أعظمهم فتنة، فيأتي أحدهم فيقول: مازلتُ به حتى شَرب الخمر، فيقول: الساعة يتوب، ويأتي الآخر فيقول: مازلت به حتى فرّقت بينه وبين امرأته فيقبِّله بين عينيه ويقول: أنتَ أنتَ " وقال رسول الله r: " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ". رواه أهل السُّنَن. وروى أبو داود حديث: " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " .
ما يقع به الطلاق [صيغة الطلاق]
* صيغة الطلاق وهي التي تكشف عن إرادة الزوج إيقاع الطلاق، وقد تكون باللفظ الصريح الدال عليه، أو بما يقوم مقامه في هذه الدلالة، وقد تكون بغير اللفظ الصريح وهذه هي صيغة الكناية في الطلاق.
صيغة الطلاق الصريحة
* اللفظ الصريح في الطلاق هو: اللفظ الذي لا يستعمل إلا في حَلِّ عقدة النكاح في عرف من نطق به، والسامع له، والموجَّه إليه، بناء على الوضع اللغوي لهذا اللفظ، أو بناء على العرف العام عند الناس في استعمال هذا اللفظ في هذا المعنى.
* تعيين الألفاظ الصريحة في الطلاق
في تعيين الألفاظ التي ينطبق عليها هذا الوصف اختلافاً بين الفقهاء كالآتي:
: مذهب الحنابلة: اللفظ الصريح عندهم في الطلاق هو لفظ = الطلاق = وما تصرّف منه فقط، فلو قال: أنت طالق أو طلاق أو الطلاق، أو طلقتك، أو مطلَّقة فهو صريح لاغير. ومثله مذهب المالكية، فيلزم بهذه الألفاظ الطلاق ولا يفتقر إلى النيَّة.
: مذهب الحنفية: هو لفظ الطلاق أو التطليق مثل: أنت طالق، أو أنت الطلاق. ومن الصريح اللفظ المصحَّف في لفظ الطلاق حسب لهجة من ينطق الطلاق مثل: طلاغ، تلاغ، طلاك، تلاك، تلاق . ومن الصريح عندهم لفظ = الحرام = إذا تعارف قوم على إطلاق لفظ الحرام على الطلاق وصاروا يستعملونه عند إضافته إلى المرأة، فلو قال لزوجته: أنت عليّ حرام وقع الطلاق.
: مذهب الشافعية: صريحة جزماً = الطلاق = وما اشتق منه، وكذا من صريحه = الفراق = و = السراح = وما اشتق منهما على المشهور فيهما لاشتهاره لغة وعرفا ولورودهما في القرآن بمعنى الطلاق. وعلى المشهور عندهما أيضاً = الخلع = .
* حكم اللفظ الصريح في الطلاق:
الطلاق يقع به مادام الناطق به يعرف مدلوله، ولا يشترط لوقوع الطلاق به نيَّة إيقاع الطلاق، لأن اللفظ صريح في دلالته على إرادة الطلاق بالتلفظ به، والنية إنما تعمل في تعيين المبْهم لا الصريح، وقال تعالى: ) فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ( شرع الطلاق من غير شرط النية، ولأن رسول الله r لم يسأل عبد الله بن عمر لما طلق امرأته في حال الحيض هل نوى الطلاق أو لم ينوِه، ولو كانت النية شرطاً لسأله. وعلى هذا إجماع الفقهاء، فلو قال: لم أنْوِ به الطلاق لم يقبل، ولو قال: أردت أنها طالق من وثاق، لم يصدق في القضاء، وكذا لا يسع المرأة أن تصدقه لأنه خلاف الظاهر، ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى.
* ما يقوم مقام اللفظ الصريح:
تقوم الكتابة مقام اللفظ الصريح عند جمهور الفقهاء وخالف في ذلك الظاهرية، كما يقوم مقام اللفظ الصريح إشارة الأخرس الدَّالة على إرادته إيقاع الطلاق.
: الكتابة نوعين: مستبينة = واضحة = وغير مستبينة، كالتي تكتب على الهواء أو على الماء، وهذه لا يقع بها طلاق وإن نواه.
والكتابة المستبينة، وهي التي لها بقاء بعد كتابتها كالتي تكتب على الورق، فهي نوعان: مرسومة، وغير مرسومة، أما المرسومة فهي المكتوبة على طريق الخطاب والرسالة ومعنْوَنة إلى الزوجة، كأن يكتب إليها زوجها: أما بعد، يا فلانة فأنت طالق، فيقع الطلاق بفراغه من كتابة هذه العبارة لأنها منجَّزة، أما إذا كانت معلقة كما لو قال لها: يا فلانة إذا وصلك كتابي هذا فأنت طالق، فإن الطلاق لا يقع إلا من وقت وصول الكتاب إليها.
وأما غير المرسومة فهي غير المعنْوَنة إلى الزوجة كأن يكتب على ورقة: فلانة زوجتي طالق، فإن نوى الطلاق وقع وإلا لم يقع، لأن الكتابة على هذا الوجه قد تكون بقصد تجويد الخط وتجربة القلم فلا يحمل ما كتبه على إرادة الطلاق إلا بالنية.
: طلاق الأخرس يقع بالإشارة المفهومة، لأنها صارت معهودة فأقيمت مقام العبارة دفعاً للحاجة، ويعتد بإشارته ولو قدر على الكتابة، ولكن لا يقع الطلاق بإشارة القادر على النطق.
صيغة الطلاق غير الصريحة = الكناية =
* يقصد بألفاظ الكناية في الطلاق كل لفظ يستعمل في الطلاق، وفي غيره، مثل قول الرجل لزوجته: أنت بائن، أو أنت خَليّة، أو أمرك بيدك، أو الحقي بأهلك ... وسمي هذا النوع من الألفاظ كناية، لأن الكناية في اللغة اسم لفظ استتر المراد منه عند السامع، وهذه الألفاظ استتر المراد منها عند السامع، فإن قوله: أنت بائن يحتمل البينونة عن النكاح، ويحتمل البينونة عن الخير أو الشر، وقوله: الحقي بأهلك يحمل على الطلاق لأن المرأة تلحق بأهلها إذا صارت مطلقة، ويحمل على أن الزوج أراد بقوله هذا الطرد والإبعاد عن نفسه مع بقاء النكاح، وإذا احتملت هذه الألفاظ الطلاق وغير الطلاق فقد استتر المراد منها عند السامع فافتقرت إلى النية لتعيين المراد .
* الكناية يقع بها الطلاق بالنية :
إذا كانت ألفاظ الكناية يقع بها الطلاق إذا تعينت بالنية، فالطلاق يقع بها إذا نواه الزوج، أي إذا قصد بنطقه بها إيقاع الطلاق على زوجته، وهذا عند جمهور الفقهاء خلافاً للظاهرية لا يرون وقوع الطلاق بألفاظ الكناية.
* شروط وأحوال وقوع الطلاق بالكناية:
ألفاظ الكنايات في الطلاق المعتبر منها ما يشهد له العرف واستعمال الناس بأنه كناية، ولا يكفي أنه مذكور في كتب الفقه، لأن العرف أو استعمال الناس قد يتغيّر، نبّه إلى ذلك الإمام الأصولي والفقيه القَرَّافي وهو يتكلم عن الكنايات في الطلاق وما يقع بها فقال: إن مالكاً أو غيره من العلماء إنما أفتى في هذه الألفاظ بهذه الأحكام لأن زمانهم كان فيه عوائداً اقتضت نقل هذه الألفاظ للمعاني التي أفتوا بها فيها، فإذا وجدنا زماننا عُرْياً عن ذلك وجب علينا أن لا نفتي بتلك الأحكام = من وقوع الطلاق بها أو عدم وقوعه = في هذه الألفاظ، لأن انتقال العوائد يوجب تغيّر الأحكام. انتهى وعليه فما يعتبر من ألفاظ الكنايات في الطلاق هو ما يعتبره عرف الناس وعاداتهم في استعمال هذه الكنايات في الطلاق مريدين بها إيقاع الطلاق. لأن الفقه في المذاهب قد استعاض في تعيين ألفاظ الكنايات في الطلاق.
أولاً: مذهب الحنفية
إذا تلفظ الزوج واحداً من ألفاظ الكناية فالحال لا يخلو بين الزوجين عند تلفُّظه بذلك: إما أن تكون حالة الرضا وابتدأ الزوج بالنطق بلفظ الكناية. وإما أن تكون الحالة حالة مذاكرة الطلاق، أو سؤال الزوجة الطلاق، وإما أن تكون الحالة حالة غضب وخصومة.
: الحالة الأولى: حالة الرضا بين الزوجين: إذا ابتدأ الزوج بالنطق بلفظ كناية الطلاق فإنه يُسأل عن بيته، وهل أراد الطلاق بما تلفّظ به أم لا، ويصدَّق في قوله في جميع ألفاظ الكنايات بأنه أراد الطلاق، كما يُصدَّق في قوله ما أردت بها الطلاق مع حلف اليمين.
: الحالة الثانية: حالة مذاكرة الطلاق أو حالة الغضب والخصومة، فلهذه الحالتين ثلاثة أقسام:
أ- يشتمل القسم الأول خمسة ألفاظ هي: أمرك بيدك، اختاري، المتدى، استبرئي رحمك، أنت واحدة. والطلاق يقع بهذه الألفاظ . ولا يصدق بأنه ما أراد بها إيقاع الطلاق، لأن هذه الألفاظ وإن كانت تحتمل إرادة الشتم، فتعينت الحالة للدلالة على إرادة الطلاق بدلالة الحال في ظاهر كلامه.
ب- يشمل هذا القسم خمسة ألفاظ أيضاً من ألفاظ الكنايات وهي: خليَّة، وبريئة، وبَتَّة، وبائن، وحرام، وهذه الألفاظ كما تصلح للشتم تصلح لإرادة الطلاق، فإن الرجل يقول لأمرأته عند إرادة الشتم: أنت خلية من الخير، بريئة من الصلاح، بائن من الإحسان، بتة من المروءة، حرام العشرة معك، فيبقى اللفظ محتملاً على نفسه للطلاق وغيره، فإذا قصد به غيره فقد نوى ما يحتمله كلامه والظاهر لا يكذبه فيصدَّق في القضاء.
ج- هذا القسم يشمل بقية ألفاظ الكنايات غير ألفاظ القسمين الأول والثاني مثل: لا سبيل لي عليك، أو لا نكاح لي عليك، أنت حرَّة، أو قومي، أو أخرجي، أو اغربي، أو انطلقي، أو انتقلي، أو تقنَّعي، أو استتري، أو تزوّجي، أو ابتغي الأزواج، أو الحقي بأهلك ونحو ذلك.
وهذه الألفاظ لا تصلح للشتم، ولكن تصلح للتبعيد والطلاق، لأن الإنسان قد يبعد الزوجة عن نفسه حال الغضب من غير طلاق، فالحال لا يدل على إرادة أحدهما: التبعيد والطلاق، فإذا قال: ما أردت بهذا اللفظ إيقاع الطلاق فقد نوى ما يحتمله لفظه والظاهر لا يخالفه فيصدّق في القضاء.
ثانياً: مذهب الحنابلة
قالوا: الكنايات في الطلاق نوعان: ظاهرة، وخفية:-
أ- أما الكنايات الظاهرة فهي ست عشرة كناية: أنت خليّة، بريَّة، بائن، بتَّة، = أي مقطوعة، تْلة = أي منقطعة = أنت حرة، أنت الحرج = أي الحرام والإثم = حبلك على غاربك، تزوجي مَن شئت، حللْتِ للأزواج، لا سبيل لي عليك، لا سلطان لي عليك، اعتفُتك، غطِّي شعرك، تقنّعي، أمرك بيدك .
ب- النوع الثاني وهو الكنايات الخفية فمثل: اخرجي، اذهبي، وذوقي وتجرّعي، خلَّيتُك، أنت مُخلاَّه، أنت واحدة، لستِ لي بامرأة، المتدِّى، استبرئي، اعتزلي، الحقي بأهلك، لا حاجة لي فيك، ما بقى شيء، أعفاكِ الله، الله قد أراحني منك، اختاري، جرى القلم، أبرأك الله، فرّق الله بيني وبينك في الدنيا والآخرة.
: والكناية الظاهرة والخفية لا يقع بها طلاق إلا أن ينويه بنية مقارنة اللفظـ، أو ما يقوم مقام النية كحالة الغضب والخصومة، أو عند جواب سؤالها الطلاق، فيقع الطلاق في هذه الحالة ولو بلا نيَّة لأن دلالة الحال كالنيّة. فيقبل منه قوله في الفُتْيا، أما في القضاء فلا يقبل منه ما دلت عليه الحال.
مذهب الشافعية
* لا يقع الطلاق إلا بصريح أو بكناةي مع النيّة، وكناية الطلاق ألفاظ كثيرة، منها: أنت خلية، برية، بتَّة، بتلة، بائن، اعتدى، استبرئي رحمك، الحقي بأهلك، حبلك على غاربك، اغربي، تقنَّعي، تستّري، لا حاجة لي فيك، أنت وشأنك، أنت وليَّة نفسك، فلو نوى بأي لفظ من هذه ونحوها صار طلاقاً، سواء يف حالة الرضا أو في حالة الغضب، وسواء سألته الطلاق أو لم تسأله.
مذهب المالكية
* قالوا: كنايات الطلاق الظاهرة: بتّة، حبلك على غاربك، اعتدِّي، يقع بها الطلاق وإن لم ينوِه، فلها حكم اللفظ الصريح في الطلاق.
وأما الكنايات الخفية: ادخلي، اذهبي، انطلقي، خلَّيْت سبيلك، فيقع بها الطلاق إاذ نواه.
ما يقع من الطلاق بالكناية
* اختلفوا فيما يقع به الطلاق بألفاظ الكنايات، هي هل طلقة رجعية أم بائنة، وهل تطلق طلقة واحدة أو أكثر. والراجح جعلها طلقة واحدة رجعية، لأن الأصل في الطلاق أن يكون رجعياً.
أحوال الصيغة
* الطلاق الواقع قد يكون فورياً وهو الطلاق المنجّز، وقد يكون بصيغة مضافة إلى زمن ماضٍ، وقد تكون مضافة إلى زمن مستقبل، وقد تكون معلقة على شرط، وقد تكون بصيغة الحِلف.
صيغة الطلاق المنجزة
* يقصد بها الصيغة التي تكون مطلقة، لا مضافة إلى زمن ولا إلى شرط. كقول الرجل لزوجته: أنت طالق. وهذه هي الصيغة الأصل في الطلاق.
* ولا خلاف بين الفقهاء في وقوع الطلاق بالصيغة المنجزة فوراً إذا توافرت في الزوج المطلق، وفي الزوجة الواقع عليها الطلاق الشروط المطلوبة، وتترتب على هذا الطلاق آثاره المقررة شرعاً.
صيغة الطلاق المضافة إلى زمن ماضٍ
* إذا قال لزوجته: أنت طالق أمس، أو الشهر الماضي، أو السنة الماضية وقصد أن يقع الطلاق إلى الزمن الذي أضاف الطلاق إليه، يقع الطلاق في الحال بشرطين: الأول: أن يكون الزوج المطلق أهلاً لوقوع الطلاق وقت صدور الصيغة منه. الثاني: أن تكون الزوجة محلاًّ للطلاق في وقت إنشائه بصيغة الماضي، وأن تكون كذلك محلاً للطلاق في الوقت الذي أسند إليه الطلاق بهذه الصيغة.
: قال الشافعية تعليلاً لذلك: يقع الطلاق بلفظه ويلغو قصد الإستناد إلى الزمن الماضي لاستحالته. وقال المالكية: يقع في الحال باعتبار أن الطلاق بصيغة الماضي من نوع الهزل، وطلاق الهازل يقع في الحال.
: لا يقع الطلاق عند الظاهرية إلا إذا أضيف إلى زمن ماضٍ أو مستقبل. لأنه لم يأت قرآن ولا سنة بوقوع ذلك.
صيغة الطلاق المضافة إلى زمن مستقبل
* يقع الطلاق في الوقت المعين في الصيغة عند جمهور الفقهاء، فإذا قال لزوجته: أنت طالق غداً، وقع الطلاق حين يطلع فجر الغد، وإذا قال لها: أنت طالق في شهر كذا، وقع بأول جزء منه لتحقيق الاسم بأول جزء منه فيقع الطلاق في أول ليلة يُرى فيها الهلال، لأنه جعل ذلك الوقت ظرفاً للطلاق، فإذا وُجد ما يكون ظرفاً عيَّنه طُلِّقت.
: قال المالكية: الطلاق المضافة إلى زمن مستقبل يقع حالاً ولا ينتظر له حلول الوقت المضاف إليه الطلاق، لمنع أن يكون شبيهاً بنكاح المتعة، فإنه إذا قال لزوجته في أول رجل: أنت طالق في نهاية رجب، فمعنى ذلك أن النكاح بينهما يبقى لمدة شهر فقط ثم يزول وينقطع في نهاية رجب فيكون نكاحاً مؤقتاً فيكون هذا شبيهاً بنكاح المتعة، وإلا لم يجز تأجيل الطلاق وقع في الحال.
: الظاهرية لا يقع هذا الطلاق لا في المستقبل الذي عيَّنه الزوج ولا في الحال.
* قال بعض العلماء: إذا قلنا أن الأصل في الطلاق الحظر ويباح للحاجة، فإن إضافة الطلاق للمستقبل تشعر بأن لا حاجة إلى الطلاق في الوقت الحاضر، وأما قول المالكية بأن إضافة الطلاق إلى المستقبل هو من قبيْل توقيت النكاح فغير صحيح لأنه توقيت للطلاق وليس توقيت للنكاح الصحيح، كما أن النكاح لا يجوز فيه التعليق ويجوز في الطلاق التعليق.
صيغة الطلاق المعلقة على شرط
* صيغة الطلاق المعلقة على شرط تعني أن المطلق يربط حصول الطلاق بحصول ما اشترطه من شرط هو محتمل الوجود، كأن يقول لزوجته: إن خرجت من الدار بغير إذني فأنت طالق فهو قد ربط حصول الطلاق بحصول ما اشترطه وهو خروجها من الدار بغير إذنه، وهو أمر محتمل الوجود، والجمهور على أن الطلاق المعلق على شرط يقع إذا تحقق الشرط خلافاً للظاهرية.
* يشترط لصحة تعليق الطلاق على شرط كون الشرط متردِّداً بين أن يوجد وأن لا يوجد = أي محتمل الوقوع = فلا يصح التعليق المحقق الوجود، ولا بالشرط المستحيل، فإذا قال لزوجته: أنت طالق إن كانت السماء فوقنا، فهذا شرط محقق الوجود، فيلغو الشرط وتكون الصيغة منجزة حقيقة وإن جاءت بصيغة التعليق ظاهراً، فيقع الطلاق بها منجزاً، وكذلك لو قال لها: أنت طالق إن دخل الجمل في سمِّ الخياط، فالشرط في هذه الصيغة شرط مستحيل، فيلغو الشرط ولا يقع الطلاق بهذه الصيغة أصلاً، لأن الغرض من إيراد هذا الشرط في الصيغة تحقيق نفي الطلاق حيث علَّقه بشيء محال.
: تعليق الطلاق على مشيئة الله تعالى، كما لو قال: أنت طالق إن شاء الله تعالى، فهذا التعليق لا يقع به الطلاق، لأن مشيئة الله تعالى لا يطلع عليها أحد، فكان كالتعليق على شرط مستحيل، فيكون نفْياً للطلاق وليس إرادة وقوعه.
وقال الشافعية: لو قصد بها التَّبرُّك وقع الطلاق، ولأحمد ابن حنبل في ذلك قولين.
: قال المالكية: إن علَّق الطلاق على شرط لابد أن يقع، أو علَّقه على أجل يبلغه عمر الإنسان عادة، كقوله: إن دخل الشهر، فإن الطلاق يقع في الحال، ولا ينتظر وقوعه إلى حين حصول الشرط. وكذلك قالوا: إن علق الطلاق على مشيئة الله تعالى وقع الطلاق حالاً، لأنه لا سبيل إلى معرفة مشيئة الله تعالى.
الطلاق بصيغة الحلف
* لا يجوز إبطال التعليق بعد صدوره.
فليس للمطلق طلاقاً معلقاً بشرط أن يبطل التعليق، لأن إبطاله رفع له، وما وقع لا يرتفع، فإذا وجدت الصفة المعلق عليها الطلاق، وهي المعبر عنها بالشرط، طُلقت لوجود الصفة وإن لم توجد لم تطلق.
وإن قال مَن علّق طلاقه بشرط لم أقصده ولم أُرِدْهُ وقع الطلاق في الحال لأنه أقرّ على نفسه بإيقاعه، ويكون إقراره هنا صيغة طلاق في الحال.
صيغة الحلف بالطلاق
* اختلف الفقهاء في اليمين بالطلاق أو الطلاق المعلق على ثلاثة أقوال:
الأول: قال به أصحاب المذاهب الأربعة: يقع الطلاق المعلق متى وجد المعلق عليه، سواء أكان فعلاً لأحد الزوجين، أم كان أمراً سماوياً، وسواء أكان التعليق قسمِيًا أم شرطياً يقصد به حصول الجزاء عند حصول الشْرط .
أدلة الجمهور:
1- الكتاب مثل قوله تعالى: ) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ( فلم يفرق بين منجز ومعلق .
2- السنة: لقوله r: " المسلمون عند شروطهم "
أ- أخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " طلق رجل امرأته البتَّة إن خرجت، فقال ابن عمر: إن خرجت فقد بانت منه، وإن لم تخرج فليس بشيء ".
ب- روى البيهقي عن ابن مسعود t: " في رجل قال لامرأته: إن فعلت كذا وكذا فهي طالق، ففعلته فقال: هي واحدة = أي طلقة = وهو أحق بها " أي في رجعتها.
جـ- صح عن أبي ذر الغفاري t: " أن امرأته لما ألحَّت عليه في السؤال عن الساعة التي يستجيب الله فيها الدعاء يوم الجمعة قال لها: إن عدت سألتني فأنت طالق "
د- أخرج ابن عبد البر عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كل يمين وإن عظُمت ففيها الكفارة إلا العتق والطلاق " .
هـ- روى البيهقي عن ابن عباس t: " في رجل قال لامرأته: هي طالق إلى سنة، قال: يستمتع بها إلى سنة ".
و- روى البيهقي عن فقهاء أهل المدينة: " أنهم كانوا يقولون: أيما رجل قال لامرأته: أنت طالق إن خرجت حتى الليل، فخرجت امرأته قبل الليل بغير علمه، طُلقت امرأته " .
3- المعقول: حيث قد تدعو الحاجة إلى تعليق الطلاق كما تدعو إلى تنجيزه زجراً للمرأة، فإن خالفت كانت هي التي اختارت طلاقها المأذون لها في اختياره. فكأنه قال: اختاري إما الطلاق أو تنفيذ ما أردت. كأن يقول لها: إن خرجت فأنت طالق ويجب أن لا تخرج ويحضها على ذلك، فهو قد أعلمها أنه لا يريد خروجها وأنها إن اختارت الخروج فقد اختارت الطلاق، فاختارت هي مخالفته ورغبت في الطلاق الذي خيّرها فيه.
القول الثاني: قال الظاهرية والشيعة الإمامية: الحلف بالطلاق والطلاق المعلق لا يقع أصلاً. واستدلوا بقوله r: " من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله " .
ورُدّ عليهم: بأن التعليق في الحقيقة إنما هو شرط وجزاء، فإطلاق اليمين عليه مجاز المشاركة الحلف في المعنى وهو الحث على الشيء أو على منعه أو تأكيداً للخبر.
القول الثالث: قال ابن تيمية وابن القيم: إن التعليق على شرط أو على وجه غير اليمين يقع الطلاق عند حصول الشرط، وإن التعليق قَسَمِيًا ووجد المعلق عليه لا يقع ويجزيه كفارة يمين، وعند ابن القيم هو لغو لا كفارة فيه.
قالا: إن كان الحلف المقصود منه الحث على الفعل أو المنع منه، أو تأكيد الخبر، :ان في معنى اليمين فيدخل في أحكام الأيمان في قوله تعالى: ) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ( وقوله سبحانه: ) ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ (
وإن لم تكن يميناً شرعية كانت لغواً ورُدّ عليهم: بأن الطلاق المعلق لا يسمى يميناً شرعاً ولا لغة، وإنما هو يمين على سبيل المجاز المشابهة اليمين الشرعية في إفادة الحث على الفعل أو المنع منه أو تأكيد الخبر، فلا يكون له حكم اليمين الحقيقي.
واستدعو بما روى عن علي t أنه كان يقول: الحلف بالطلاق ليس بشيء، ورُدّ عليهم أن ذلك كان أيام الإضطهاد يحلفون الناس بالطلاق والعتق حتى يضطروهم للفعل أو المنع.
المطلِّق
هو الذي يملك إيقاع الطلاق ويوقعه فعلاً وهو الزوج. يقول الله تعالى: ) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ( ويقول تعالى: ) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ( ويقول r: " الطلاق لمن أخذ بالساق " أي الزوج، رواه ابن ماجة.
* شروط يجب أن تتوافر في المطلق :
1- أن يكون المطلق5 بالغاً عاقلاً، فلا يقع طلاق الصبي وإن كان عاقلاً، فلا يصح الطلاق من غير مكلَّف كصبي.
: قال الحنابلة: يصح الطلاق من زوج عاقل ولو مميِّزاً يعقل الطلاق ولو كان دون عشر سنين لعموم قوله r: " الطلاق لمن أخذ بالساق " ومعنى كون الصبيّ المميز بعقل الطلاق هو أن يعلم أن زوجته تبين منه وتحرم عليه إذا طلقها.
: وتعليل عدم صحة طلاق الصبي المميز عند الجمهور: أن كليات الشريعة لا تجيز التصرفات إلا ممن له أهلية التصرّف، وأدناها العقل والبلوغ خصوصاً ما هو دائر بين الضرر والنفع.
: ويشترط في الزوج المطلق أن يكون عاقلاً فلا يقع طلاق المجنون لقوله r: " رُفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ. وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق " قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: أجمع أهل العلم على أن الزائل العقل بغير سُكر أو ما في معناه لا يقع طلاقه.
: يُلْحق بالمجنون النائم والمعتوه والمُبَرْسَم والمغمى عليه والمدهوش.
المعتوه: هو القليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير ولكنه لا يضرب ولا يشتم بخلاف المجنون. والمبرْسَم: ويقال: الموم هو علة في العقل كالمجنون. والمدهوش: هو من ذهب عقله حياءً أو خوْفاً فيغلب عليه الخلل ويهذي بسبب ما أصابه من صدمة عصبية أصابته فأذهبت عقله.
: طلاق السفيه معتبر لأن السَّفه لا يؤثر في العقل من جهة إدراكه الأمور، فليس في عقله خلل يلحقه بالمجنون. والسَّفَه: خِفَّة تبعث الإنسان على العمل في ماله بخلاف مقتضى العقل.
: السكران زائل العقل هل يقع طلاقه ؟ جمهور الفقهاء يفرقون بين سكران بطريق محظور، وبين سكران بطريق غير محظور. فمن سكر بطريق غير محظور كالذي يشرب شراباً فيسكره، أو تناول دواء فغيّب عقله، أو تناول مسكراً ولم يعلم أنه مسكر فأسكره ففي هذه الحالات إذا طلق لم يقع طلاقه بلا خلاف.
والسكر: هو سرور يزيل العقل فيهذي في كلامه ويأتي بما لا يعقل. فجمهور الفقهاء قالوا: يقع طلاق السكران بطريق محظور، وهو قول الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. وقال الظاهرية: طلاق السكران لا يلزم سواء بطريق محظور أو غير محظور. وهذا القول اختاره ابن تيمية وبان القيم وهو رواية عن أحمد وبعض التابعين وقال ابن المنذر ثبت ذلك عن عثمان بن عفان t. وقالوا: معاقبة من سكر بطريق غير مشروع عقوبة غير العقوبة المقدّرة لجريمة السكر وأذى بالمرأة.
2- الشرط الثاني: أن يكون المطلِّق مختاراً غير مكره.
قال الجمهور: لا يقع طلاق المكره، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية، وروى ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وجابر بن سمرة y وغيرهم من علماء التابعين، وقال الحنفية: يقع طلاق المكره، ووافقهم الشعبي والنخعي والزهري والثوري.
: قال الحنفية: أن العلّة في وقوع طلاق المكره هي حاجته إلى التخلص مما تُوُعِّد به من القتل أو الجرح أو الأذى الذي لا يطيقه، فالمكره عرف الشَّريْن والضررين: ضرر إيقاع الطلاق، والضرر المهدد به فاختار أهونهما وهو إيقاعه للطلاق فهو مخترا اختياراً كاملاً.
: قال الجمهور: الإكراه لا يكون مع الإختيار لإفساده إيَّاه، والتصّرف الشرعي إنما يعتبر شرعاً بالإختيار، فإن فات الإختيار لم يكن للتصرف اعتبار، وطلاق المكره في الحقيقة قوْل أكره عليه بغير حق فلا يجوز أن يثبت له حكم. وكيف يصح إيقاع طلاق المكره مع علمنا يقيناً بأنه لا يريد الطلاق ولا يقصده ولا حاجة له فيه. وقال رسول الله r: " إن الله وَضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه " رواه ابن ماجة، وأخرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: " سمعت رسول الله r يقول: " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ". قال أبو داود وعلماء الغريب: الغلاق الغضب وقال ابن تيمية: الإغلاق إنسداد باب العلم والقصد عليه، فيدخل فيه طلاق المعتوه والمجنون والسكران والمكره والغضبان الذي لا يعقل ما يقول، لأن كلا من هؤلاء قد أغلق عليه باب العلم والقصد، والطلاق إنما يقع من قاصد له عالم به.
: بماذا يتحقق الإكراه ؟
1- أن يكون المكرِه قاهراً للمكرَه لا يقدر على دفعه .
2- أن يغلب على ظن المكرَه أن ما يخافه من المكِره واقع به.
3- أن يكون ما يهدده به المكِره مما يلحق به ضرراً مثل القتل والقطع والضرب المبِّرح والحبس الطويل ونحوه.
3- الشرط الثالث أن يكون المطلق قاصداً الطلاق. وهو كونه ناوياً إيقاع الطلاق مريداً له عازماً عليه. فالطلاق إنما يكون بلفظ ونية أو بلفظ فقط أو بنية فقط.
: لا يقع الطلاق بالنيّة المجرّدة. فإن نوى الزوج في قلبه تطليق زوجته أو طلقها في نفسه دون أن يتلفظ بلفظ الطلاق فإن طلاقه لا يقع، وهذا قول عامة الفقهاء خلافاً للزهري وابن سيرين. قال الزهري: إذا عزم على الطلاق طلِّقت زوجته، وقال ابن سيرين وقد سئل عمّن طلق في نفسه قال: أليس قد علمه الله ؟ قال السائل: بلى. قال ابن سيرين: فلا أقول فيها شيئاً.
وقال العلماء: صريح حديث رسول الله r قال: " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " . رواه البخاري والترمذي .
* طلاق الهازل وهو من يقصد التلفظ بلفظ الطلاق ولكن لا يريد حكم هذا اللفظ. فهل يقع طلاقه ؟ قال ابن قدامة في المغني: إن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية، بل يقع من غير قصد ولا خلفا في ذلك سواء قصد المزاح أو الجد. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على ان جدّ الطلاق وهزله سواء، روى ذلك عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وغيرهم وقالت الشيعة: لا يقع طلاق المكره ولا الهازل.
: قال رسول الله r: " ثلاث جِدُّهن جِدّ وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة " رواه أبو داود والترمذي. قال العلماء: الهازل مكلف اختار التلفظ بالطلاق ولو أُطْلق للناس جواز الإحتجاج بالهزل لتعطلت الأحكام وهذا يؤدي إلى الفوضى وارتكاب المرحم، والنكاح والطلاق والرجعة واجب فيها صيانة الفروج من العبث.
: طلاق المخطئ كأن يريد أن ينادي زوجته باسمها فيسبق لسانه إلى النطق بكلمة = طالق = مخاطباً إياها بهذا اللفظ، أو يتكلم بما يدل على الطلاق وهو لا يقصد بما نطق به ولكن لسانه سبق إلى ما نطق به.
قال الجمهور: لا يقع طلاق المخطئ إن ثبت سبق لسانه وإن لم يثبت قُبل في الفتوى دون القضاء.
وقال الحنفية: يقع طلاق المخطئ بالتلفظ بلفظ الطلاق ولا يقبل منه أنه أخطأ لأنه أمر باطني وقد يتخذ وسيلة إلى إحلال ما حرّم الله وهذا في القضاء أما في الفتوى والديانة فإن الطلاق لا يقع إذا علم من نفسه أنه أخطأ ولم يقصد الطلاق. وقال الجمهور: إن الشرع منع الهزل في الطلاق واعتبره كالجِدّ فيه حماية للفروج، أما المخطئ فمعذور ولم يختر التلفظ .
: طلاق الملقَّن وهو من لُقِّن عبارة الطلاق وهو لا يفهمها كالأعجمي، فالطلاق لا يقع لعدم قصده إيقاع الطلاق.
* طلاق الحاكي كالفقيه أو للتعليم لا يقع به طلاق.
طلاق غير الزوج
* الأصل أن الزوج هو الذي يطلق زوجته، ولكن هناك حالات نجد فيها غير الزوج يوقع الطلاق على زوجة غيره ويعتبر طلاقه، كالمولىّ، والوكيل، والقاضي، وقد يفوِّض الزوج زوجته في تطليق نفسها.
تطليق الوليّ
* هناك وليّ خاص وهو الولي على النفس بالنسبة للصغير والمجنون كالأب، وهناك الولاية العامة للقاضي.
: لا يجوز للأب أن يطلق امرأة الصغير أو المجنون بِعِوَض أو بغير عِوَض للحديث " الطلاق لمن أخذ بالساق " ولأن الطلاق طريقه الشهوة فلم يدخل في الولاية. وهذا مذهب الحنيفة والشافعية وأحد قولي أحمد بن حنبل. وهو مروي عن عمر بن الخطاب t.
: يجوز للولي تطليق زوجة الصغير والمجنون إذا كان التطليق بعِوَض أو فيه مصلحة للصغير أو المجنون. وهذا مذهب مالك .
: يجوز للولي تطليق زوجة الصغير أو المجنون إطلاقاً لأن ابن عمر طلق عَلَي ابن له معتوه. وهذا هو القولي الثاني لأحمد.
تطليق الوكيل
* للزوج أن يوكل من يزوِّجه وله أن يوكل من يطلق عليه زوجته، فيمن صحَّ طلاقه صحَّ توكيله فيه، كما له أن يوكل زوجته. وهذا مذهب الأئمة الأربعة.
: قال ابن حزم الظاهري: لا تجوز الوكالة في الطلاق، ولم يأتِ في طلاق أحد عن أحد بتوكيله إيّاه قرآن ولا سنة فهو باطل. كما لا يجوز أن يظاهر أحد عن أحد أو يلاعن أحد عن أحد.
: إذا أرسل الزوج رسولاً يبلغ الزوجة طلاقها. فلا يعتبر الرسول وكيلاً في الطلاق. فالمرأة يقع عليها الطلاق بعبارة زوجها لا بعبارة الرسول، بينما في الوكالة يقع الطلاق بعبارة الوكيل. * التفويض في الطلاق
* إذا أناب الزوج زوجته في تطليق نفسها سمِّيَ هذا التوكيل تفويضاً، وكذلك إذا أناب شخصاً غيره وقال له طلِّق زوجتي إن شئت كان ذلك تفويضاً له.
* أجاز جمهور الفقهاء التفويض في الطلاق ومنعه بعضهم.
مذهب الحنفية
يرى الحنفية أن تفويض الطلاق إلى الزوجة من قبيل التمليك لا من قبيل التوكيل. والمالك هو مَن يعمل بمشيئة نفسه، والوكيل مَنيعمل بمشيئة موكله. لذلك:
1- الزوج في التمليك = أي تفويض الطلاق لزوجته = لا يملك الرجوع عن تفويضه الطلاق للمفوض إليه بخلاف التوكيل وسبب ذلك أن التفويض يتضّمن تعليق الطلاق على تطليق مَن فوّض إليه أمر الطلاق، ولا يجوز الرجوع في التعليق، والطلاق مما يجوز تعليقه فلا يجوز الرجوع فيه.
2- لا يملك الزوج عزل مَن فوّض إليه الطلاق، لأن التفويض تمليك ولا يجوز العزل فيه، بينما في التوكيل يملك الموكل عزل وكيله.
3- التفويض إذا كان مطلقاً بقيد الزمن فإنه يتقيّد بمجلس العقد عند التفويض.
* آثار التفويض عند الحنفية: بالنسبة للزوج لا يؤثر التفويض في حقه في إيقاع الطلاق على زوجته وإنما يشترك المفوض إليه معه في هذا الحق ولكن على وجه الإنفراد فيوقع أي منهما الطلاق منفرداً .
* أنواع التفويض في الطلاق عند الحنفية:
1- إن كان التفويض في مجلس التفويض وكانت حاضرة فقال لها: طلِّقي نفسك خلال عشرة أيام، فلها أن تطلق نفسها خلال هذه المدة. فإن انقضت العشرة بطل تفويضها، وإن كانت غائبة عن مجلس التفويض فإن بلغها قبل مضيِّ الوقت فلها إيقاع الطلاق فيما بقى من وقت التفويض. وإن بلغها بعد مضيّ الوقت بطل التفويض.
2- إذا كان التفويض غير مقيد بوقت معين مثل أن يقول لها: اختاري نفسك أو أمرك بيدك ناوياً الطلاق، فإن حقها في تطليق نفسها يتقيد بمجلس التفويض إن كانت حاضرة أو بمجلس علمها به إن كانت غائبة عنه، فإن طلقت في المجلس وإلا بطل التفويض .
3- إذا كان التفويض عاماً في الزمان كما لو قال لها: أمرك بيدك متى شئتِ ناوياً تفويض الطلاق إليها، لها أن تستعمله متى شاءت دون أن تتقيّد بمجلس التفويض أو وقت معين.
* نوع الطلاق الواقع بالتفويض إذا كان باللفظ الصريح في الطلاق كأن يقول لها: طلقي نفسك إن شئتِ فطلقت نفسها وقع الطلاق رجعياً، وإن كانت بألفاظ الكنايات مثل أن يقول لها: أمرك بيدك ونوى الطلاق وقع الطلاق بائناً.
* يصح إنشاء التفويض عند الحنفية قبل عقد الزواج، وعند إنشاء عقد الزواج، وبعد إنشائه. فيصح لو قال لامرأة: أمرك بيدك متى شئتِ إن تزوجتك. وعند إنشاء العقد إن كان الموجب هو الزوجة أو وكيلها والقابل هو الزوج لأنه في هذه الحالة كان صدور التفويض من زوج. أما إن كان الزوج هو الموجب فلا يصح لأن الزواج لم يقم إلا بعد القبول ليس هنا قبول قد تم.
مذهب الشافعية
لا يكون التفويض إلا لزوجة بالغة عاقلة، وأما إنابة غيرها فهو توكيل لا تفويض. والتفويض تمليك للطلاق.
* إذا فوّض الزوج الطلاق إلى زوجته عليها أن تطلق نفسها في مجلس التفويض فوراً إن أرادت تطليق نفسها، فإن انقضى مجلس التفويض وتفرَّقا بطل التفويض لأنه من التمليكات ويشترط فيها الفورية.
ويستثنى من شرط الفورية في إيقاع الطلاق إذا اقترن بصيغة التفويض ما يدل على عدم اشتراط الفورية كأن قال لها: طلِّقي نفسك متى شئتِ.
* يكون التفويض باللفظ الصريح في الطلاق وبألفاظ الكناية مثل أَبِيني نفسك ونوى الطلاق.
* يشترط في صيغة التفويض أن تكون منجزة غير معلقة لأنه تمليك ولا يصح تعليقه، فإذا كان توكيلاً صح التعليق. كما يشترط النيّة في ألفاظ الكنايات، فإذا لم ينو الزوج التفويض فلا تفويض، وإن لم تنوِ هي الطلاق فلا تطليق، لأن الطلاق لا يقع بالكناية وحدها بلا نيَّة .
* للزوج أن يرجع عن تفويضه قبل أن توقع الزوجة الطلاق لأن التمليك والتوكيل يجوز الرجوع فيهما قبل القبول.
مذهب المالكية
التفويض عندهم على ثلاثة أقسام: توكيل، وتمليك، وتخيير.
فالتوكيل أن يقول لزوجته إلى غيرها: وكلتك أن تطلقي نفسك، والتمليك أن يقول لها: أمرك بيدك أو طلاقك بيدك، والتخيير أن يقول لها: اختاري نفسك. فالوكيل يفعل ما وكِّل فيه على سبيل النيابة عن موكله، بينما المملَّك والمخيّر إنما يفعلان ذلك عن نفسهما، ولا يملك الزوج عزل مَن ملكه الطلاق.
* الحيلولة بين الزوج وزوجته في التفويض، ففي حالة التمليك والتخيير يجب أن يُحال بينهما فلا يقربها ولا يطأها حتى تبيِّن موقفها من تطليق نفسها، وكذلك خلال المدَّة التي حددها لها بأن قال لها: أمرك بيدك إلى سنة. وكذلك تجب الحيلولة في حالة توكيلها في تطليق نفسها حتى يرجع عن توكيله.
مذهب الحنابلة
يجوز للزوج أن يفوِّض أمر طلاق زوجته إليها أو إلى غيرها كأن يقول لها: أمرك بيدك ناوياً تفويض الطلاق إليها.
: فإذا قال لها: طلِّقي نفسك، أو أمرك بيدك فالتفويض بهاتين الصيغتين توكيل. أما التفويض بقوله: اختاري نفسك فهو خيار تمليك فكان على الفور كخيار القبول في مجلس التفويض، فإذا كان التفويض بصيغة منجزة ولكن مقيدة بزمن معين، تقيَّد التفويض بهذا الزمن، فإن كان التنجيز مطلقاً في كل زمان صح إيقاع الطلاق في أي وقت كما لو قال لها: اختاري نفسك متى شئتِ، فإذا قال لها: اختاري نفسك اليوم تقيد اختيارها في هذا اليوم. وكذلك إذا قال لها: أمرك بيدك إذا رجع فلان من السفر فهو معلق برجوعه من سفره فتملك تطليق نفسها إذا تحقق الشرط.
* للزوج الرجوع عن تفويضه في كل الصِّيغ لأنه توكيل ولا يصح التمليك ولا ينتقل عن الزوج وإنما ينيب عنه غيره. ويكون الرجوع بالقول أو بالفعل كأن يطأها فتبطل الوكالة.
المطلَّقة
* هي الزوجة التي يقع عليها الطلاق في عقد النكاح الصحيح، والزوجة يقع عليها الطلاق حال قيام الرابطة الزوجية، وقد يقع عليها الطلاق وهي في عِدَّة طلاق.
* الطلاق الذي لا خلاف في وقوعه هو أن يطلق الزوج امرأتهفي طهر لم يمسسها فيه طلقة واحدة، ويتركها حتى تنقضي عدتها فتصير هذه الطلقة الرجعية طلقة واحدة بائنة بينونة صغرى، إن لم تكن هذه الطلقة مكملة للطلاق الثلاث، وهو الطلاق المشروع ويسمَّى = طلاق السُّنَّة = .
* والطلاق المختلف في وقوعه هو ما خالف طلاق السنة الذي ذُكر بأن طلقها في طهر قد مسها فيه، أو طلقها وهي حائض، أو طلقها أكثر من طلقة واحدة بلفظ واحد. وهذا الطلاق يسمى = الطلاق البِدْعي = .
طلاق الحائض
* طلاق الزوجة وهي حائض محظور شرعاً لنهي الشرع عنه، ومن ثم قال الفقهاء إنه حرام، وقد دلّ على تحريمه الكتاب والسنة والإجماع.
: قال تعالى: ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ( قال الزمخشري في التفسير: أي إذا أردتم تطليقهن وهممتم به فطلقوهن مستقبلات لعدتهن. وقال ابن كثير في التفسير: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أي لا يطلقها وهي حائض، ولا في طهر قد جامعها فيه.
: أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: " أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله r فسأل عمرُ بن الخطاب رسول الله r عن ذلك، فقال رسول الله r: مُرْهُ ليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يَمَسَّ، فتلك العِدَّة التي أمر الله أن يُطلَّق لها النساء " قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح البخاري:فتلك العدّة التي أمر الله أن يطلق لها النساء، أي فتلك العدّة التي أذن الله أن يطلق لها النساء، وهذا مراد بيان الآية وهي قوله تعالى: ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ( وقال الإمام النووي: أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها، فلو طلَّق أثم. وقال الحطاب المالكي في مواهب الجليل: إن الطلاق في الحيض حرام بالإجماع. وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني: فإن طلقها للبدعة وهو أن يطلقها حائضاً أو في طهر أصابها فيه أثم.
: لا خلاف في أن الطلاق في النفاس له حكم الطلاق في الحيض عند المالكية والشافعية والظاهرية.
* يستثنى من حظر الطلاق في الحيض:
1- غير المدخول بها، لأن لا عِدَّة عليها، فلا يراعي في طلاقها كونها غير حائض، لأن عِلَّة النهي عن الطلاق في الحيض هي ألاَّ تطول عدة الحائض المطلقة، وهي غير متحققة في الحائض غير المدخول بها، لأنه لا عدة عليها إذا طلقت، قال ابن عبد البر المالكي: أجمع العلماء أن طلاق السنة إنما هو للمدخول بها، أما غير المدخول بها فليس لطلاقها سنة ولا بدعة إلا في عَدَد الطلاق على اختلاف بينهم فيه.
2- التطليق من الحاكم في الإيلاء إذا اتفق وقوع تطليقه في حال حيض الزوجة.
3- إذا اختلعت الزوجة من زوجها صح الخلع سواء كانت الزوجة حائضاً أو غير حائض، لأن علَّة تحريم الطلاق في الحيض هي لئلا تتضرر الزوجة في إطالة عدتها، وهذا المعنى غير موجود في حالة الإتفاق على الفرقة عن طريق الخلع. وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: " أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي r فقالت: يا رسول الله: ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خُلُق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله r: أَتَردِّين عليه حديقته ؟ قالت: نعم. قال: رسول الله r: اقبل الحديقة وَطلقها تطليقه ". ووجه الدلالة بهذا الحديث أن رسول الله r لم يستفصل من امرأة ثابت بن قيس هي حائض أم طاهرة، فدل على جواز الخلع في حال الحيض والطهر.
* حكمة تحريم الطلاق في الحيض يرجع إلى أمرْين: الأول: لئلا تطول عدة المرأة المطلقة وفي إطالتها ضرر عليها، والأمر الثاني: لغرض التأكد من أن الطلاق كان لحاجة الزوج إليه وليس مردّه إلى نزوة طارئة وغضب سريع وقرار متعجل. يقول الإمام الكاساني الحنفي: لأن فيه تطويل العدة عليها، لأن الحيضة التي صادفها الطلاق فيه غير محسوبة من العدة، فتطول العدة عليها وذلك إضرار بها، ولأن الطلاق للحاجة هو الطلاق في زمان كمال الرغبة وزمان الحيض زمان النُّفْرة، فيكون الإقدام عليه فيه دليل الحاجة إلى الطلاق، فلا يكون الطلاق فيه سُنَّة بل سفها.
* هل التحريم لحق الله تعالى أم لحق الحائض المطلقة ؟
يقول الإمام النووي: أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها، ويفهم من ذلك جواز طلاق الحائض برضاها، وهذا يعني أن تحريم الطلاق في الحيض ثبت حقاً للمطلقة الحائض. وعند المالكية أن تحريم الطلاق ثبت أمراً تعبدِّياً حقاً لله تعالى، وعندهم قول صحيح على قول الجمهور.
* هل يقع الطلاق في الحيض ؟
: قال الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وعامة الفقهاء: يقع طلاق البدعة وهو أن يطلقها حائضاً أو في طهر أصابها فيه، ويأثم للتحريم. قال الإمام النووي: أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها، فلو طلقها أثم ووقع طلاقه، وشذَّ أهل الظاهر فقالوا: لا يقع. واستدل الجمهور على وقوع طلاق الحائض من القرآن الكريم بقوله تعالى: ) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ( وهذا يعم كل طلاق. ومنه الطلاق البدعي، وكذلك قوله تعالى: ) وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ( ولم يفرق بين مطلقة في حيض وبين مطلقة في طهر، إذ لا يجوز إخراج بعض المطلقات من هذا العموم الوارد في هذه الآيات إلا بنص أو إجماع، ولا يوجد نص ولا إجماع في إخراج المطلقات في الحيض من هذا العموم .
وفي السنة المطهرة حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الذي رواه البخاري ومسلم بشأن طلاق زوجته في الحيض أن النبي r أمره أن يراجعها. قال الإمام النووي: في هذا الحديث ولو لم يقع طلاقه لم تكن رجعة، فإن قيل: المراد بالمراجعة أو الرجعة: الرجعة اللغوية وهي الردّ إلى حالها الأول لا أنها تحسب عليها طلقة، قلنا: هذا غلط من الوجهين: أحدهما: أن حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية يقدَّم على حمله على الحقيقة اللغوية. والثاني: أن ابن عمر صرّح في رواية لمسلم بأنه حسبها عليه طلقة. انتهى كلام النووي. وأخرج البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عندما طلق زوجته وهي حائض قال ابن عمر: " حُسِبَت عليّ بتطليقة " وأخرج الدارقطني عن ابن عمر عندما طلق زوجته أن النبي r قال: " هي واحدة، أي تطليقة واحدة " قال ابن حجر العسقلاني بعد أن ذكر خبر الدارقطني: وهذا نص في م