نيابة الجمهورية
قاضي النيابة
النظام القانوني لقاضي النيابة
إن عضو النيابة هو قاض،وبالنتيجة،فهو خاضع للقانون الأساسي للقضاء،و تابع للجهة القضائية التي يعمل بها،و ككل القضاة ملزم بواجب التحفظ و لا يتمتع بحق الإضراب.
غير أن نظامه القانوني يختلف عن نظام قاضي الحكم،فهو لا يتمتع بإمتيازعدم القابلية للنقل،و يمتاز بالخصوصيات التالية:
1 التبعية السلمية و الإستقلالية:
أ التبعية السلمية:
يوجد على مستوى كل محكمة وكيل للجمهورية مكلف بتسيير مصالح النيابة و المحكمة بالإشتراك مع رئيس المحكمة،و قد يساعده مساعد أو أكثريكونون تحت سلطته السلمية،و يقوم بتنظيم مصالح النيابة وفق ما يراه مناسبا،و يوز ع المهام على مساعديه،و يمارس مهامه تحت سلطة النائب العام الذي يعمل بدوره تحت سلطة وزير العدل حافظ الأختام.
و إذا كانت سلطة وزير العدل حافظ الأختام تمارس على مجموع قضاة النيابة،فإنه يمكن إستخلاص عنصرين هامين يتعلقان بوكيل الجمهورية:
بالنسبة للقضايا الخاصة،فإن وزير العدل لا يصدر تعليماته مباشرة إلى وكيل الجمهورية،بل يصدرها إلى النائب العام الذي يعكسها بدوره على وكيل الجمهورية في شكل تعليمات.
لكل وكيل جمهورية صلاحيات خاصة لا يمكن للنائب العام أن يمارسها بدلا عنه،و مع هذا فإن وكيل الجمهورية يبقى يخضع للسلطة السلمية الممارسة عليه من طرف النائب العام الذي يعمل بدوره تحت سلطة وزير العدل حافظ الأختام.
و إذا كانت سلطة وزير العدل حافظ الأختام تمارس على مجموع قضاة النيابة،فإنه يمكن إستخلاص عنصرين هامين يتعلقان بوكيل الجمهورية
- بالنسبة للقضايا الخاصة،فإن وزير العدل لا يصدر تعليماته مباشرة إلى وكيل الجمهورية،بل إلى النائب العام الذي بدوره يعكسها في تعليمات إلى وكيل الجمهورية
- لكل وكيل جمهورية صلاحيات خاصة لا يمكن للنائب العام مما رستها بدلا عنه،و مع هذا فإن وكيل الجمهورية يبقى خاضعا للسلطة السلمية الممارسة عليه من طرف النائب العام.
ب الإستقلالية :
إن مفهوم إستقلالية قاضي النيابة يختلف عن مفهوم إستقلالية قاضي الحكم،فهو خلال ممارسته لمهامه،لا يخضع لا للقاضي و لا للمتقاضي
- تجاه القاضي: من المسلم به و أن هذا الأخير لا يمكنه الدخل في عمل وكيل الجمهورية كما لا يمكنه إصدار تعليمات له،فحرية تقديم الإلتماسات المكتوبة والشفاهية،و كذلك توجيه السياسة العقابية من طرف وكيل الجمهورية وحده،تشكلان اهم العناصر البارزة للإستقلال قاضي النيابة.
- تجاه المتقاضي: إن إستقلالية عمل وكيل الجمهورية و مساعديه، هي ملاصقة لمبدأ " ملاءمة المتابعة " فهم غير ملزمين بالإستجابة لكل الشكاوى،و لكن هناك إستثناءات لهذا المبدأ،منها :
.في خالة الشكوى مع التأسس كطرف مدني أمام عميد قضاة التحقيق،فإن وكيل الجمهورية ملزم بتقديم طلبات تهدف إلى فتح تحقيق قضائي( ما عدا حالة عدم إحتمال الوقائع لللأي تكيف جزائي )
.في الحالات التي يكون فيها تحريك الدعوى العمومية بالتبعية لشكوى( الضرائب...)
2 عدم التجزئة : إن هذا المبدأ هو أهم عنصر يميز النيابة و التأكيد الدائم على أن عمل النيابة هو عمل جماعي.
فمن تبعات ذالك مثلا،هو عدم ضرورة تلقي المساعد تعليمات معينة في كل ما يقوم به من أعمال و يتخذه من قرارات و التي تتحمل النيابة ككل تبعاتها.
كما أن شخص ممثل النيابة في الجلسة لا يهم كشخص فالمهم أن تكون النيابة كهيئة ممثلة،و لا يكون باطلا الحكم الذي يصدر بعد محاكمة تم تغيير عضو النيابة خلال سيرها.
هذه الخاصة، تضمن الفعالية و السرعة و تؤدي إلى أن كل فرد يتحمل تبعات قرارات قضاة الهيئة ككل.
3 عدم القابلية للرد :إن وضعية قاضي النيابة كخاضع للسلطة السلمية،و عدم قابليته للتجزئة،تجعله خلال الجلسة لايمثل سوى مصالح المجتمع الذي يدافع عنه،و رده هو رد لهيئة النيابة ككل أي المجتمع
4 اللا مسؤولية : إن هذا المفهوم لا يعني وأن قاضي النيابة يتصرف كما يحلو له و دون مسؤولية،فالهدف من ذلك هو ضمان أن من قرر المتابعة لا يسأل عن ذلك،في حالة ما إذا إنتهت هذه الأخيرة بحكم بالبراءة أو بأمر بإنتفاء وجه الدعوى.فالمقصود ببساطة،من قرار النيابة المتخذ في إطار إحترام القانون و الحريات الفردية،ليس حكما مسبقا،و لكن هو تقدير كفاية الأعباء الواقعة على الشخص المتابع والذي يبقى مستفيدا من قرينة البراءة إلى غاية الحكم عليه نهائيا.
غير أن هذه الضمانة لا تشمل الأعمال الإجرامية أو التأديبية التي يمكن أن يرتكبها قاضي النيابة.
صلاحيات قاضي النيابة
إن الدور الجزائي لقاضي النيابة يبقى الأكثر أهمية من حيث الكم من باقي الأدوار المنوطة به.
1 الدور التقليدي لقاضي النيابة : الصلاحيات الجزائية :
إن المهمة الأساسية للنيابة العامة تتمثل في ممارستها للدعوى العمومية،إذ يقوم وكيل الجمهورية بتلقي الشكاوى والمحاضر و يقرر ما يتخذه بشأنها،كما يقوم بكل أعمال التحري عن الجرائم و متابعة مرتكبيها.
و حتى يتمكن من ممارسة مهامه،فهو يتمتع بالسلطات و الصلاحيات المرتبطة بصفة الضبطية القضائية،كما أن له سلطة إدارة الضبطية القضائية خلال التحقيقات الأولية.
فضباط الشرطة القضائية و أعوانها ملزمون بإخبار وكيل الجمهورية دون تأخير بالجرائم التي تصل إلى علمهم،و بإرسال المحاضر المتعلقة بها بعد إنتهاء التحقيق فيها إليه.
و قبل أن يقرر فيما يخص ملاءمة المتابعة،فإن وكيل الجمهورية يتأكد أولا من مدا إختصاصه و يدرس مدا توفر أركان الجريمة.
و على كل وكيل للجمهورية أن يحدد الأولويات في المتابعة و يضبط سياسته العقابية،بالنظر إلى توجيهات الوزارة والخصوصيات المحلية،كما يحضر جلسات المحاكمة ويطالب بتطبيق القانون وتصدر كل الأحكام في حضوره،ويقوم أخيرا بتنفيذ أحكام القضاء بالإستعانة بالقوة العمومية إذا تطلب الأمر ذلك.
أ- مراقبة الضبطية القضائية وسير التحريات
إن وكيل الجمهورية ومساعديه،يتمتعون بكل السلطات الخاصة بالضبطية القضائية دون أن يكونوا ضباطا للشرطة القضائية،فيمكن لوكيل الجمهورية القيام شخصيا بالبحث عن الجرائم ومعاينتها،لكنه يلجأ عادة إلى ضباط الشرطة القضائية للقيام بذلك،و في هذه الحالة،لا يمكن لهؤلاء تلقي التعليمات إلا منه ولا يمكنهم تقديم تقاريرهم إلا إليه.
فالمسؤول السلمي لضابط الشرطة القضائية،مهمته التنسيق لتنفيذ عمليات الضبطية القضائية المنجزة من طرف مصالحه وإرسال المحاضر المتعلقة بها إلى النيابة.
و من صلاحيات وكيل الجمهورية التنسيق بين مصالح الضبطية القضائية العاملة في دائرة إختصاصه،فله إختيار المصلحة التي تقوم بالتحقيق ويتوخى في ذلك الفعالية والسرعة،فيمكنه تغير مصلحة بأخرى لحسن سير التحقيق.
ب إدارة ومراقبة التحقيقات
إن سلطة إدارة الضبطية القضائية التي يتمتع بها وكيل الجمهورية تشمل العمل القضائي لهذه الأخيرة ولا تتعداه إلى المصلحة ذاتها التي تبقى خاضعة لسلطة سلمية أخرى.
فعلى الضبطية القضائية أن توصل كل المعلومات المفيدة إلى علم وكيل الجمهورية بأمانة،و يتم ذلك في شكل تقارير مكتوبة أو شفوية ومراسلات.
و حتى يتمكن وكيل الجمهورية من ممارسة سلطاته في إدارة الضبطية القضائية،عليه أن يصدر توجيهات عامة لتلك المصالح،قد تكون بعد التشاور معهم في إجتماع أولي،كما تظهر سلطة إدارة الضبطية القضائية في التوجيهات المقدمة والتعليمات الموجهة للضبطية القضائية بمناسبة التحقيق في كل قضية على حدا
و لفرض إحترام توجيهاته وسلطته على مصالح الضبطية القضائية،فإن وكيل الجمهورية يتمتع بصلاحية تنقيط ضباط الشرطة القضائية العاملين في دائرة إختصاصه،ويتم ذلك بإقتراح يوجهه إلى النائب العام الذي يقوم بوضع النقطة النهائية التي يكون لها تأثير حاسم على المسار المهني للضابط.
ج السلطة التقديرية لقاضي النيابة حسب الحالات
إن كل وضعية تعرض على قاضي النيابة تستوجب منه تقدير إختصاصه،مدا شرعية المتابعة وأخيرا ملاءمتها.
- الإختصاص: يتأكد قاضي النيابة من توفر الإختصاص لديه للنظر في الوقائع،كما يتأكد من عدم تحريك الدعوى العمومية في جهة أخرى في نفس الوقائع.
- شرعية المتابعة: يتأكد وكيل الجمهورية من توفر الجريمة إذا ما وجدت و من أركانها القانونية ويعطي للوقائع التكييف القانوني السليم،فإذا لم يظهر من الوقائع وجود أي فعل مجرم أو أن الجريمة غير مكتملة الأركان،فإنه يقرر حفظ الملف.
-ملاءمة المتابعة: إن التقرير في مدا ملاءمة المتابعة لا يتم إلا في آخر مرحلة من دراسة الملف وبعد أن يتأكد وكيل الجمهورية من توفر أركان الجريمة،فيقرر الوجهة التي سوف يعطيها للقضية.
و من الضروري التذكير بأنه غير ملزم لآ بما ورد في الشكوى ولا بسحبها( إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك) ولا بتنازل الشاكي ولا بتعويضه من طرف المشتكى منه،فبإمكانه حتى ولو تنازل الشاكي،تحريك الدعوى العمومية ضد المشتكى منه،أو العكس،حفظ الشكوى حتى ولو لم يتنازل الشاكي،لكن عليه في هذه الحالة أن يبلغ هذا الأخير بقراره،أما إذا قرر تحريك الدعوى العمومية،فبإمكانه إخطار قاضي التحقيق بطلب إفتتاحي وله حرية إختيار قاضي التحقيق،و يلجأ إلى التحقيق القضائي للأسباب قانونية( التحقيق وجوبي في الجنايات)أو بسبب تعقد الوقائع و تشعبها.
كما له أن يتابع المتهمين دون عرضهم على قاضي التحقيق بإتباع إجراء الإستدعاء المباشر أمام المحكمة أو بتطبيق إجراآت التلبس بالجنحة إذا ما كانت متلبس بها.
أما إذا كان المتهم حدثا،فيجب عليه قانونا إحالته على قاضي الأحداث ويتم ذلك بموجب عريضة مع إلتماس الإجراء المناسب في حق الحدث،أما إذا كانت الوقائع ذات وصف جنائي فهو ملزم بعرضه على قاضي التحقيق.
كما لوكيل الجمهورية في هذا الإطارالسلطة لتقدير مدا إمكانية تجنيح الوقائع المعروضة عليه توخيا للسرعة في المتابعة و النجاعة في العقوبة،و يتم ذالك بعدم الأخذ بعين الإعتبار الظروف المشددة المرتبطة بالواقعة الأصلية.
د القيود الواردة على مبدأ ملاءمة المتابعة:
لتجنب الإنحراف و التعسف في إستعمال الصلاحيات من طرف قاضي النيابة،وضعت قيود على مبدأ ملاءمة المتابعة،ويظهر ذلك فيما يلي:
- يجب التذكير أولا بأن الحفظ ليس قرارا نهائيا و أن الدعوى العمومية يمكن أن تحرك في أي وقت خلال آجال التقادم.
- لوزير العدل حافظ الأختام وللنائب العام،إمكانية إصدار تعليمات مكتوبة إلى وكيل الجمهورية في قضايا معينة.
- يمكن للضحية أو للشاكي التأسس كطرف مدني أمام عميد قضاة التحقيق أو تكليف المشتكى منه مباشرة أمام المحكمة.
و إعتبارا لذلك،يجب على وكيل الجمهورية عدم إخفاء قراراته بالحفظ وإبلاغ الأطراف بها تلقائيا.
ه السياسة الجزائية لوكيل الجمهورية:
إن إدارة التحقيق في قضية ما هو شيء،وتسيير نيابة الجمهورية هو أمر آخر.
فعلى وكيل الجمهورية أن يمتلك الوسائل التي تسمح له بإدارة مصالح النيابة ومراقبتها.
وتتمثل هذه الوسائل في الجداول الشهرية والتي تسمح بقراءة سريعة للنشاط الفعلي لمصالح النيابة.
ويمكن ذكر على سبيل المثال:
- الجدول العام
- جدول الجدولة
- جدول كتابة الضبط الجزائية
- جدول تنفيذ العقوبات...
كما توجد عدة وثائق هامة تسمح لوكيل الجمهورية بمتابعة بعض القضايا الخاصة،كالقضايا الحساسة والقضايا الجنائية...
إن هذه الوسائل تسمح لوكيل الجمهورية بتحديد السياية الجزائية في دائرة إختصاصه مستعينا كذلك بما يلي
- التوجيهات العامة الواردة عن وزير العدل حافظ الأختام والتي تحدد السياسة الجزائية على المستوى الوطني.
- التوجيهات الصادرة عن النائب العام والتي تعكس توجيهات وزير العدل على المستوى المحلي.
- توجيه السياسة الجزائية وإدارة الدعوى العمومية من طرف وكيل الجمهورية في دائرة إختصاصه.
إن هذه العناصر الثلاثة تجسد مبدأ تدرج النيابة
العلاقة مع النيابة العامة
1 التقارير الإخبارية
أ لماذا التقرير ألإخباري ؟
إن الطبيعة التدرجية للنيابة العامة،تولد ضرورة أن السلطة العليا بإمكانها إصدار تعليمات للسلطة الدنيا،فوزير العدل يمكنه أمر النائب العام بتحريك الدعوى العمومية أو بتقديم طلبات محددة لدى جهة الحكم،والنائب العام المكلف قانونا بالسهر على تطبيق القانون الجزائي في دائرة إختصاص جهته القضائية،يمكنه إصدارتعليمات إلى وكيل الجمهورية.
و نتيجة لهذا التدرج،فإن السلطة الدنيا ملزمة بإخبار السلطة العليا،فوكيل الجمهورية ملزم بإخبار النائب العام الذي بدوره ملزم بإخبار وزير العدل.
إن هذه الوسيلة تمكن السلطة العليا من مراقبة مدى تنفيذ تعليماتها،وكذلك تسمح لها بجمع المعلومات العامة حول بعض الممارسات القضائية مما يمكنها من ضبط سياسة عقابية عامة ومنسجمة.
ب بماذا نخبر؟
تتمحور التقارير الإخبارية حول محمرين
1 التقارير المرسلة بناءا على تعليمات:وتشمل الرد على تعليمات محددة أعطيت بمناسبة متابعة قضية ما،أو في إطار عام كالإحصائيات...
2 التقارير بمبادرة من وكيل الجمهورية:وتشمل المعلومات المرسلة إلى السلطة العليا والمتعلقة بأحداث خطيرة لها علاقة أو يمكن أن تكون لها علاقة بالدعوى العمومية.
ج متى نخبر؟
1 التقرير بمبادرة من وكيل الجمهورية:
- في الحالات الخطيرة جدا لا بد من تقديم تقرير إلى النائب العام بواسطة الهاتف بمجرد توفر المعلومات الأساسية،ولابد من إتباع هذا التقرير الشفهي بتقرير كتابي.
- في الحالات العادية،قد لا يكون التقرير الشفاهي ضروريا في مثل هذه الحالات،بل التقرير الكتابي أجدى ويرسل في آجال معقولة.
2 التقرير بناءا على تعليمات:لابد من إرسال التقرير في التاريخ المحدد للإرساله وبعد إتمام الإجراءات المطلوبة،وإذا ما حالت عوائق غير متوقعة دون ذلك،فلابد من توضيحها في تقرير أولي.
ه كيف نخبر؟
تتخذ التقارير الإخبارية عدة أ شكال منها الشفهي عن طريق الهاتف،الكتابي بواسطة تقارير محررة،برقيات،فاكس...
إن إختيار شكل التقرير يكون حسب خطورة الموقف وحالة الإستعجال في الإخبار وكذلك لمدا تعقيد الوقائع المراد الإخبار عنها.
وعلى التقرير أن يكون مركزا لكنه يحتوي على كل العناصر المادية والقانونية الهامة وهي:
- ظروف إخطار النيابة بالوقائع
- الإجراءات المتخذة من طرف وكيل الجمهورية في إطار ممارسته لصلاحياته في إدارة الضبطية القضائية
- ملخص الوقائع والتصريحات إذا ما كانت ذات أهمية
- المعلومات المتعلقة بالأشحاص المعنيين( فاعل، شريك،ضحية...)
-ذكر الإلتماسات المقدمة والإتهامات الموجهة
- آفاق تطور الملف
- إذا ما إقتضى الأمر،تأثير الوقائع على الرأي العام
- في حالة الضرورة،الإعلان عن تقرير لاحق
- كل القضايا الجنائية،يجب أن تكون موضوع تقرير يرسل إلى النائب العام
إدارة قاضي النيابة للتحقيقات
التحقيق الإبتدائي
تنص الفقرتان الرابعة والخامسة من المادة 36 من قانون الإجراءات الجزائية على أن وكيل الجمهورية يقوم بما يأتي:
- مباشرة أو الأمر بإتخاذ جميع الإجراءات اللآزمة للبحث والتحري عن الجرائم المتعلقة بالقانون الجزائي،
- تلقي المحاضر والشكاوي والبلاغات ويقرر ما يتخذه بشأنها ويخطر الجهات القضائية المختصة بالحقيق أو المحاكمة للنظر فيها أو يأمر بحفضها بمقرر يكون قابلا دائما للمراجعة ويعلم به الشاكي و/أو الضحية إذا كان معروفا في أقرب الآجال.
ما يستنتج من هذه المادة هو أن لضباط الشرطة القضائية،سواءا بناءا على تعليمات من وكيل الجمهورية أو بمبادرة منهم معاينة الجرائم المتعلقة بقانون العقوبات،جمع الأدلة والبحث عن الفاعلين وهذا قبل إخطار قاضي التحقيق بالوقائع.
فالتحقيق الإبتدائي يتميز بمميزات عديدة،فهو يسمح لوكيل الجمهورية إمكانية الحصول على معلومات للتأكد من مدا جدية الشكاوى والبلاغات،و النتيجة تسمح له بان يقرر على دراية تحريك الدعوى العمومية أم لا.
و يتميز التحقيق الإبتدائي عن التحقيق في الجرائم المتلبس بها،بمرونته وبطابعه الأقل ردعا.
إن هذا لا يعني أن التحقيقين مختلفين،بل بالعكس فها يحملان أوجه تشابه كثيرة،فهما يسمحان بالقيام بإجراءات من طبيعة واحدة،كما يتميزان بالسرية ويظهر ذلك خلال عملية التفتيش.
و تجدر الإشارة إلى أن المادتين 45و64 من قانون الإجراءات الجزائية تلزم ضباط الشرطة القضائية والقضاة ومساعدي العدالة بعدم إفشاء سرالتحقيق والتفتيش ولا تشير إلى باقي الأطراف،كالضحايا والشهود والمتهمين الذين لاإلتزام لهم قانونا بحفظ سر التحقيق،فيجب التحفظ من الفكرة السائدة عادة لدى أجهزة الإعلام حول السرية المطلقة للتحقيق الإبتدائي و التحقيق القضائي.
و من جهة اخرى فإن التحقيق الإبتدائي يتميز بطابعه الشكلي،فضابط الشرطة القضائية ملزم بتحرير محضر المعاينة الذي يحتوي على ما شاهده الضابط وما سمعه وما عاينه شخصيا وما قام به من تصرف،ويعتبر محضر التحقيق الإبتدائي المستند الرئيسي،فلا بد من إحتوائه على الأشكال الأساسية كالتاريخ وساعة بداية ونهاية العملية،إسم وصفة الضابط المحرر وشكلية ختام المحضر.
1 مجال التحقيق الإبتدائي:
إن القانون لا يحدد مجال التحقيق الإبتدائي ولا يعطي وصفا دقيقا له.
و بإعتباره عملية ضبط قضائي،فإن فتح مثل هذا التحقيق يفترض وجودا فعليا أو إفتراضيا لجريمة ما مما يجعل مجاله واسعا جدا لكونه يتعلق بكل الجرائم مهما كان وضع الأشخاص المشتبه فيهم ودون إعتبار لظروف معاينة الجرائم.
أ كل الجرائم: إن المشرع لم يحدد بالتدقيق طبيعة الأفعال التي يمكن بسببها فتح تحقيق إبتدائي بمبادرة من ضابط الشرطة القضائية أو على إثر تعليمات من وكيل الجمهورية،فالمادة 63 من قانون الإجراءات الجزائية جاءت عامة وغير محددة،مما يستنتج منه وأن مجال التحقيق الإبتدائي غير محدد ويشمل كل الجنايات والجنح والمخالفات وأنه حتى بالنسبة للجرائم البسيطة والتي لا تعرض مرتكبيها لعقوبات سالبة للحرية،يمكن لضابط الشرطة القضائية أن يقرر وضع المخالف في الحجز تحت النظر أو القيام بتفتيش.
غير أن الحكمة والواقع العملي،كرسا العرف المتمثل في عدم اللجوء إلى الوضع تحت النظر وإلى التفتيش إلا إذا تعلق الأمر بجرائم تعرض مرتكبيها إلى عقوبات سالبة للحرية.
ب كل شخص مشتبه فيه: إن كل شخص طبيعي أو معنوي،مع الأخذ بعين الإعتبار خصوصيات كل منهما خاصة بالنسبة للوضع تحت النظر،يمكن أن يكون موضوع تحقيق إبتدائي،غير أنه توجد قواعد خاصة متعلقة ببعض الفئات من الأشخاص تحد من سلطات المحققين وذلك بفرض حصانة أو منع للإنتهاك.
و يمكن ذكر في هذا الإطار الدبلماسيين الأجانب و البرلمانيين الذين يتمتعون بحصانة إجرائية.
ج عدم أهمية الظروف المحيطة بإكتشاف الجريمة: بخلاف التحقيق في الجرائم المتلبس بها والذي يشترط على الأقل معاينة وقائع إجرامية آنية،فإن التحقيق الإبتدائي يمكن أن ينطلق من مجرد شكوك تراود ضابط الشرطة القضائية،أو مؤشرات غير محددة،كالتبليغ من طرف مجهول عن وقائع غير دقيقة وهذا دون أن يكون شرط القيام القطعي للجريمة،كما هو الحال في الجرائم المتلبس بها،مطلوبا.
و من جهة أخرى،لا يشترط أي تقارب من حيث التوقيت بين تاريخ إرتكاب الوقائع وتاريخ فتح التحقيق الإبتدائي،و الذي يمكن مباشرته أشهر أو سنوات بعد إرتكاب الوقائع شريطة أن يكون ذلك خلال آجال تقادم الدعوى العمومية.
و بالمفهوم العكسي،فإن ضابط الشرطة القضائية غير ملزم بإتباع إجراءات التحقيق في الجرائم المتلبس بها في حالة قيامها،فبإستطاعته فتح تحقيق إبتدائي في جريمة متلبس بها.
و من خلال ما تقدم،يتضح وأن التحقيق الإبتدائي المجرى من طرف الضبطية القضائية،يشكل بالنظر لمجاله الواسع،التحقيق البوليسي للقانون العام.
2 نظام التحقيق الإبتدائي: إن عدم مساس التحقيق الإبتدائي بالحريات الفردية أو القليل بها،يؤكد طابعه الغير محدود.
أ المساس المحدود بالحريات الفردية: بعكس التحقيق في جرائم التلبس،فإن التحقيق الإبتدائي لا يستند على حالة الإستعجال ولا على العلم اليقيني أو شبه اليقيني بوقوع الجريمة،وما دامت الضرورة الملحة للمساس بالحريات الفردية منعدمة،فإنه من الحكمة إعادة التوازن الضروري لكل تحقيق إبتدائي جيد.
و بالإضافة إلى طابعه غير المكره،فإن التحقيق الإبتدائي يضيف ضمانات أخرى تتعلق بالسلطات المختصة بإنجازه.
- مبدأ عدم الإكراه: إن المفهوم الكلاسيكي للتحقيق الإبتدائي يتمثل في إعتباره خال من كل إكراه،بعكس التحقيق في جرائم التلبس،بحيث أسندت سلطات إلى قاضي التحقيق وضابط الشرطة القضائية المفوض من طرفه.
و الفكرة الأساسية تتمثل في إعتبار هذا النوع من التحقيقات مبني على القبول الطوعي للمعنيين به،وعليه،فإنه من المبادئ المكرسة في المادة 64 من قانون الإجراءات الجزائية،أن التفتيش وحجز وسائل الإقناع لا يمكن أن يتم دون الرضا الصريح والمكتوب لصاحب المسكن،ومن الضروري في حالة عدم كفاية الإجراءات المنصوص عليها في المادة 64 أن يقوم وكيل الجمهورية بفتح تحقيق قضائي وتكليف قاضي التحقيق بذلك.
- الضمانات المرتبطة بالسلطات المختصة: إن الأعوان المكلفين بإنجاز التحقيقات الإبتدائية،هم ضباط الشرطة القضائية وتحت إشرافهم ومراقبتهم،أعوان الضبطية القضائية ويتصرفون بإدارة وتعليمات من وكيل الجمهورية أو بناءا على مبادرتهم الخاصة،ويظهر ذلك في حالة تلقيهم للشكاوى وتسجيلها أو عندما يعاينون بمناسبة ممارستهم لمهامهم في المراقبة وحماية المواطنين،جرائم ومخالفات للقانون الجزائي.
و قد حصر المشرع سلطات القيام بالتحقيقات الإبتدائية في الجنايات والجنح إلى ضابط الشرطة القضائية،ولم يسند إلى باقي الأسلاك التي تتمتع بسلطات الضبط القضائي( رؤساء الأقسام والأعوان التقنيون والتقنيون المختصون في الغابات وحماية الأراضي وإستصلاحها…)إلا التحقيقات الإبتدائية المتعلقة بإختصاصاتهم المحضة،أما بالنسبة للولاة،فقد أسند لهم سلطات الضبط القضائي إستثناءا في الجرائم الماسة بأمن الدولة،وفي حالة الإستعجال فقط وعلى شرط أن لا تكون السلطات القضائية قد أخطرت بالوقائع.
و ككل عملية ضبط قضائي،فإن التحقيق الإبتدائي يكون تحت إدارة وكيل الجمهورية الذي بإمكانه أن يباشر التحقيق بنفسه،بعد أن أسندت له صراحة،السلطات المرتبطة بصفة ضابط الشرطة القضائية.
إن مجموع هذه السلطات تخضع لرقابة النائب العام الذي يمارس السلطة التأديبية،ذلك أنه في حالة إرتكاب ضابط الشرطة القضائية للأخطاء مهنية،يكون بإمكانه تحريك الدعوى التأديبية ضدهم بإخطار غرفة الإتهام.
ب المدة التي يستغرقها التحقيق الإبتدائي: إن التحقيق الإبتدائي لا يخضع للقواعد الصارمة المطبقة على التحقيق في الجرائم المتلبس بها وذلك فيما يخص آجال التنفيذ،فهو لا يخضع في سيره إلى شرط الإستمرارية في الإنجاز،فيمكن وقفه وإعادة السير فيه في الحدود الزمنية لتقادم الدعوى العمومية،كما يمكنه أن يمتد لأسابيع او حتى شهور.
إن هذه المرونة تسمح للمصالح المختصة بتسيير التحقيق حسب رغبتها.
و لتفادي التجاوزات،وحتى لا يخرج التحقيق عن الرقابة الفعلية لوكيل الجمهورية،فإن على هذا الأخير أن يكون متابعا عن كثب للأطواره وأن يلزم ضابط الشرطة القضائية بتقديم تقارير دورية حول ما وصلت إليه التحقيقات.
قاضي النيابة
النظام القانوني لقاضي النيابة
إن عضو النيابة هو قاض،وبالنتيجة،فهو خاضع للقانون الأساسي للقضاء،و تابع للجهة القضائية التي يعمل بها،و ككل القضاة ملزم بواجب التحفظ و لا يتمتع بحق الإضراب.
غير أن نظامه القانوني يختلف عن نظام قاضي الحكم،فهو لا يتمتع بإمتيازعدم القابلية للنقل،و يمتاز بالخصوصيات التالية:
1 التبعية السلمية و الإستقلالية:
أ التبعية السلمية:
يوجد على مستوى كل محكمة وكيل للجمهورية مكلف بتسيير مصالح النيابة و المحكمة بالإشتراك مع رئيس المحكمة،و قد يساعده مساعد أو أكثريكونون تحت سلطته السلمية،و يقوم بتنظيم مصالح النيابة وفق ما يراه مناسبا،و يوز ع المهام على مساعديه،و يمارس مهامه تحت سلطة النائب العام الذي يعمل بدوره تحت سلطة وزير العدل حافظ الأختام.
و إذا كانت سلطة وزير العدل حافظ الأختام تمارس على مجموع قضاة النيابة،فإنه يمكن إستخلاص عنصرين هامين يتعلقان بوكيل الجمهورية:
بالنسبة للقضايا الخاصة،فإن وزير العدل لا يصدر تعليماته مباشرة إلى وكيل الجمهورية،بل يصدرها إلى النائب العام الذي يعكسها بدوره على وكيل الجمهورية في شكل تعليمات.
لكل وكيل جمهورية صلاحيات خاصة لا يمكن للنائب العام أن يمارسها بدلا عنه،و مع هذا فإن وكيل الجمهورية يبقى يخضع للسلطة السلمية الممارسة عليه من طرف النائب العام الذي يعمل بدوره تحت سلطة وزير العدل حافظ الأختام.
و إذا كانت سلطة وزير العدل حافظ الأختام تمارس على مجموع قضاة النيابة،فإنه يمكن إستخلاص عنصرين هامين يتعلقان بوكيل الجمهورية
- بالنسبة للقضايا الخاصة،فإن وزير العدل لا يصدر تعليماته مباشرة إلى وكيل الجمهورية،بل إلى النائب العام الذي بدوره يعكسها في تعليمات إلى وكيل الجمهورية
- لكل وكيل جمهورية صلاحيات خاصة لا يمكن للنائب العام مما رستها بدلا عنه،و مع هذا فإن وكيل الجمهورية يبقى خاضعا للسلطة السلمية الممارسة عليه من طرف النائب العام.
ب الإستقلالية :
إن مفهوم إستقلالية قاضي النيابة يختلف عن مفهوم إستقلالية قاضي الحكم،فهو خلال ممارسته لمهامه،لا يخضع لا للقاضي و لا للمتقاضي
- تجاه القاضي: من المسلم به و أن هذا الأخير لا يمكنه الدخل في عمل وكيل الجمهورية كما لا يمكنه إصدار تعليمات له،فحرية تقديم الإلتماسات المكتوبة والشفاهية،و كذلك توجيه السياسة العقابية من طرف وكيل الجمهورية وحده،تشكلان اهم العناصر البارزة للإستقلال قاضي النيابة.
- تجاه المتقاضي: إن إستقلالية عمل وكيل الجمهورية و مساعديه، هي ملاصقة لمبدأ " ملاءمة المتابعة " فهم غير ملزمين بالإستجابة لكل الشكاوى،و لكن هناك إستثناءات لهذا المبدأ،منها :
.في خالة الشكوى مع التأسس كطرف مدني أمام عميد قضاة التحقيق،فإن وكيل الجمهورية ملزم بتقديم طلبات تهدف إلى فتح تحقيق قضائي( ما عدا حالة عدم إحتمال الوقائع لللأي تكيف جزائي )
.في الحالات التي يكون فيها تحريك الدعوى العمومية بالتبعية لشكوى( الضرائب...)
2 عدم التجزئة : إن هذا المبدأ هو أهم عنصر يميز النيابة و التأكيد الدائم على أن عمل النيابة هو عمل جماعي.
فمن تبعات ذالك مثلا،هو عدم ضرورة تلقي المساعد تعليمات معينة في كل ما يقوم به من أعمال و يتخذه من قرارات و التي تتحمل النيابة ككل تبعاتها.
كما أن شخص ممثل النيابة في الجلسة لا يهم كشخص فالمهم أن تكون النيابة كهيئة ممثلة،و لا يكون باطلا الحكم الذي يصدر بعد محاكمة تم تغيير عضو النيابة خلال سيرها.
هذه الخاصة، تضمن الفعالية و السرعة و تؤدي إلى أن كل فرد يتحمل تبعات قرارات قضاة الهيئة ككل.
3 عدم القابلية للرد :إن وضعية قاضي النيابة كخاضع للسلطة السلمية،و عدم قابليته للتجزئة،تجعله خلال الجلسة لايمثل سوى مصالح المجتمع الذي يدافع عنه،و رده هو رد لهيئة النيابة ككل أي المجتمع
4 اللا مسؤولية : إن هذا المفهوم لا يعني وأن قاضي النيابة يتصرف كما يحلو له و دون مسؤولية،فالهدف من ذلك هو ضمان أن من قرر المتابعة لا يسأل عن ذلك،في حالة ما إذا إنتهت هذه الأخيرة بحكم بالبراءة أو بأمر بإنتفاء وجه الدعوى.فالمقصود ببساطة،من قرار النيابة المتخذ في إطار إحترام القانون و الحريات الفردية،ليس حكما مسبقا،و لكن هو تقدير كفاية الأعباء الواقعة على الشخص المتابع والذي يبقى مستفيدا من قرينة البراءة إلى غاية الحكم عليه نهائيا.
غير أن هذه الضمانة لا تشمل الأعمال الإجرامية أو التأديبية التي يمكن أن يرتكبها قاضي النيابة.
صلاحيات قاضي النيابة
إن الدور الجزائي لقاضي النيابة يبقى الأكثر أهمية من حيث الكم من باقي الأدوار المنوطة به.
1 الدور التقليدي لقاضي النيابة : الصلاحيات الجزائية :
إن المهمة الأساسية للنيابة العامة تتمثل في ممارستها للدعوى العمومية،إذ يقوم وكيل الجمهورية بتلقي الشكاوى والمحاضر و يقرر ما يتخذه بشأنها،كما يقوم بكل أعمال التحري عن الجرائم و متابعة مرتكبيها.
و حتى يتمكن من ممارسة مهامه،فهو يتمتع بالسلطات و الصلاحيات المرتبطة بصفة الضبطية القضائية،كما أن له سلطة إدارة الضبطية القضائية خلال التحقيقات الأولية.
فضباط الشرطة القضائية و أعوانها ملزمون بإخبار وكيل الجمهورية دون تأخير بالجرائم التي تصل إلى علمهم،و بإرسال المحاضر المتعلقة بها بعد إنتهاء التحقيق فيها إليه.
و قبل أن يقرر فيما يخص ملاءمة المتابعة،فإن وكيل الجمهورية يتأكد أولا من مدا إختصاصه و يدرس مدا توفر أركان الجريمة.
و على كل وكيل للجمهورية أن يحدد الأولويات في المتابعة و يضبط سياسته العقابية،بالنظر إلى توجيهات الوزارة والخصوصيات المحلية،كما يحضر جلسات المحاكمة ويطالب بتطبيق القانون وتصدر كل الأحكام في حضوره،ويقوم أخيرا بتنفيذ أحكام القضاء بالإستعانة بالقوة العمومية إذا تطلب الأمر ذلك.
أ- مراقبة الضبطية القضائية وسير التحريات
إن وكيل الجمهورية ومساعديه،يتمتعون بكل السلطات الخاصة بالضبطية القضائية دون أن يكونوا ضباطا للشرطة القضائية،فيمكن لوكيل الجمهورية القيام شخصيا بالبحث عن الجرائم ومعاينتها،لكنه يلجأ عادة إلى ضباط الشرطة القضائية للقيام بذلك،و في هذه الحالة،لا يمكن لهؤلاء تلقي التعليمات إلا منه ولا يمكنهم تقديم تقاريرهم إلا إليه.
فالمسؤول السلمي لضابط الشرطة القضائية،مهمته التنسيق لتنفيذ عمليات الضبطية القضائية المنجزة من طرف مصالحه وإرسال المحاضر المتعلقة بها إلى النيابة.
و من صلاحيات وكيل الجمهورية التنسيق بين مصالح الضبطية القضائية العاملة في دائرة إختصاصه،فله إختيار المصلحة التي تقوم بالتحقيق ويتوخى في ذلك الفعالية والسرعة،فيمكنه تغير مصلحة بأخرى لحسن سير التحقيق.
ب إدارة ومراقبة التحقيقات
إن سلطة إدارة الضبطية القضائية التي يتمتع بها وكيل الجمهورية تشمل العمل القضائي لهذه الأخيرة ولا تتعداه إلى المصلحة ذاتها التي تبقى خاضعة لسلطة سلمية أخرى.
فعلى الضبطية القضائية أن توصل كل المعلومات المفيدة إلى علم وكيل الجمهورية بأمانة،و يتم ذلك في شكل تقارير مكتوبة أو شفوية ومراسلات.
و حتى يتمكن وكيل الجمهورية من ممارسة سلطاته في إدارة الضبطية القضائية،عليه أن يصدر توجيهات عامة لتلك المصالح،قد تكون بعد التشاور معهم في إجتماع أولي،كما تظهر سلطة إدارة الضبطية القضائية في التوجيهات المقدمة والتعليمات الموجهة للضبطية القضائية بمناسبة التحقيق في كل قضية على حدا
و لفرض إحترام توجيهاته وسلطته على مصالح الضبطية القضائية،فإن وكيل الجمهورية يتمتع بصلاحية تنقيط ضباط الشرطة القضائية العاملين في دائرة إختصاصه،ويتم ذلك بإقتراح يوجهه إلى النائب العام الذي يقوم بوضع النقطة النهائية التي يكون لها تأثير حاسم على المسار المهني للضابط.
ج السلطة التقديرية لقاضي النيابة حسب الحالات
إن كل وضعية تعرض على قاضي النيابة تستوجب منه تقدير إختصاصه،مدا شرعية المتابعة وأخيرا ملاءمتها.
- الإختصاص: يتأكد قاضي النيابة من توفر الإختصاص لديه للنظر في الوقائع،كما يتأكد من عدم تحريك الدعوى العمومية في جهة أخرى في نفس الوقائع.
- شرعية المتابعة: يتأكد وكيل الجمهورية من توفر الجريمة إذا ما وجدت و من أركانها القانونية ويعطي للوقائع التكييف القانوني السليم،فإذا لم يظهر من الوقائع وجود أي فعل مجرم أو أن الجريمة غير مكتملة الأركان،فإنه يقرر حفظ الملف.
-ملاءمة المتابعة: إن التقرير في مدا ملاءمة المتابعة لا يتم إلا في آخر مرحلة من دراسة الملف وبعد أن يتأكد وكيل الجمهورية من توفر أركان الجريمة،فيقرر الوجهة التي سوف يعطيها للقضية.
و من الضروري التذكير بأنه غير ملزم لآ بما ورد في الشكوى ولا بسحبها( إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك) ولا بتنازل الشاكي ولا بتعويضه من طرف المشتكى منه،فبإمكانه حتى ولو تنازل الشاكي،تحريك الدعوى العمومية ضد المشتكى منه،أو العكس،حفظ الشكوى حتى ولو لم يتنازل الشاكي،لكن عليه في هذه الحالة أن يبلغ هذا الأخير بقراره،أما إذا قرر تحريك الدعوى العمومية،فبإمكانه إخطار قاضي التحقيق بطلب إفتتاحي وله حرية إختيار قاضي التحقيق،و يلجأ إلى التحقيق القضائي للأسباب قانونية( التحقيق وجوبي في الجنايات)أو بسبب تعقد الوقائع و تشعبها.
كما له أن يتابع المتهمين دون عرضهم على قاضي التحقيق بإتباع إجراء الإستدعاء المباشر أمام المحكمة أو بتطبيق إجراآت التلبس بالجنحة إذا ما كانت متلبس بها.
أما إذا كان المتهم حدثا،فيجب عليه قانونا إحالته على قاضي الأحداث ويتم ذلك بموجب عريضة مع إلتماس الإجراء المناسب في حق الحدث،أما إذا كانت الوقائع ذات وصف جنائي فهو ملزم بعرضه على قاضي التحقيق.
كما لوكيل الجمهورية في هذا الإطارالسلطة لتقدير مدا إمكانية تجنيح الوقائع المعروضة عليه توخيا للسرعة في المتابعة و النجاعة في العقوبة،و يتم ذالك بعدم الأخذ بعين الإعتبار الظروف المشددة المرتبطة بالواقعة الأصلية.
د القيود الواردة على مبدأ ملاءمة المتابعة:
لتجنب الإنحراف و التعسف في إستعمال الصلاحيات من طرف قاضي النيابة،وضعت قيود على مبدأ ملاءمة المتابعة،ويظهر ذلك فيما يلي:
- يجب التذكير أولا بأن الحفظ ليس قرارا نهائيا و أن الدعوى العمومية يمكن أن تحرك في أي وقت خلال آجال التقادم.
- لوزير العدل حافظ الأختام وللنائب العام،إمكانية إصدار تعليمات مكتوبة إلى وكيل الجمهورية في قضايا معينة.
- يمكن للضحية أو للشاكي التأسس كطرف مدني أمام عميد قضاة التحقيق أو تكليف المشتكى منه مباشرة أمام المحكمة.
و إعتبارا لذلك،يجب على وكيل الجمهورية عدم إخفاء قراراته بالحفظ وإبلاغ الأطراف بها تلقائيا.
ه السياسة الجزائية لوكيل الجمهورية:
إن إدارة التحقيق في قضية ما هو شيء،وتسيير نيابة الجمهورية هو أمر آخر.
فعلى وكيل الجمهورية أن يمتلك الوسائل التي تسمح له بإدارة مصالح النيابة ومراقبتها.
وتتمثل هذه الوسائل في الجداول الشهرية والتي تسمح بقراءة سريعة للنشاط الفعلي لمصالح النيابة.
ويمكن ذكر على سبيل المثال:
- الجدول العام
- جدول الجدولة
- جدول كتابة الضبط الجزائية
- جدول تنفيذ العقوبات...
كما توجد عدة وثائق هامة تسمح لوكيل الجمهورية بمتابعة بعض القضايا الخاصة،كالقضايا الحساسة والقضايا الجنائية...
إن هذه الوسائل تسمح لوكيل الجمهورية بتحديد السياية الجزائية في دائرة إختصاصه مستعينا كذلك بما يلي
- التوجيهات العامة الواردة عن وزير العدل حافظ الأختام والتي تحدد السياسة الجزائية على المستوى الوطني.
- التوجيهات الصادرة عن النائب العام والتي تعكس توجيهات وزير العدل على المستوى المحلي.
- توجيه السياسة الجزائية وإدارة الدعوى العمومية من طرف وكيل الجمهورية في دائرة إختصاصه.
إن هذه العناصر الثلاثة تجسد مبدأ تدرج النيابة
العلاقة مع النيابة العامة
1 التقارير الإخبارية
أ لماذا التقرير ألإخباري ؟
إن الطبيعة التدرجية للنيابة العامة،تولد ضرورة أن السلطة العليا بإمكانها إصدار تعليمات للسلطة الدنيا،فوزير العدل يمكنه أمر النائب العام بتحريك الدعوى العمومية أو بتقديم طلبات محددة لدى جهة الحكم،والنائب العام المكلف قانونا بالسهر على تطبيق القانون الجزائي في دائرة إختصاص جهته القضائية،يمكنه إصدارتعليمات إلى وكيل الجمهورية.
و نتيجة لهذا التدرج،فإن السلطة الدنيا ملزمة بإخبار السلطة العليا،فوكيل الجمهورية ملزم بإخبار النائب العام الذي بدوره ملزم بإخبار وزير العدل.
إن هذه الوسيلة تمكن السلطة العليا من مراقبة مدى تنفيذ تعليماتها،وكذلك تسمح لها بجمع المعلومات العامة حول بعض الممارسات القضائية مما يمكنها من ضبط سياسة عقابية عامة ومنسجمة.
ب بماذا نخبر؟
تتمحور التقارير الإخبارية حول محمرين
1 التقارير المرسلة بناءا على تعليمات:وتشمل الرد على تعليمات محددة أعطيت بمناسبة متابعة قضية ما،أو في إطار عام كالإحصائيات...
2 التقارير بمبادرة من وكيل الجمهورية:وتشمل المعلومات المرسلة إلى السلطة العليا والمتعلقة بأحداث خطيرة لها علاقة أو يمكن أن تكون لها علاقة بالدعوى العمومية.
ج متى نخبر؟
1 التقرير بمبادرة من وكيل الجمهورية:
- في الحالات الخطيرة جدا لا بد من تقديم تقرير إلى النائب العام بواسطة الهاتف بمجرد توفر المعلومات الأساسية،ولابد من إتباع هذا التقرير الشفهي بتقرير كتابي.
- في الحالات العادية،قد لا يكون التقرير الشفاهي ضروريا في مثل هذه الحالات،بل التقرير الكتابي أجدى ويرسل في آجال معقولة.
2 التقرير بناءا على تعليمات:لابد من إرسال التقرير في التاريخ المحدد للإرساله وبعد إتمام الإجراءات المطلوبة،وإذا ما حالت عوائق غير متوقعة دون ذلك،فلابد من توضيحها في تقرير أولي.
ه كيف نخبر؟
تتخذ التقارير الإخبارية عدة أ شكال منها الشفهي عن طريق الهاتف،الكتابي بواسطة تقارير محررة،برقيات،فاكس...
إن إختيار شكل التقرير يكون حسب خطورة الموقف وحالة الإستعجال في الإخبار وكذلك لمدا تعقيد الوقائع المراد الإخبار عنها.
وعلى التقرير أن يكون مركزا لكنه يحتوي على كل العناصر المادية والقانونية الهامة وهي:
- ظروف إخطار النيابة بالوقائع
- الإجراءات المتخذة من طرف وكيل الجمهورية في إطار ممارسته لصلاحياته في إدارة الضبطية القضائية
- ملخص الوقائع والتصريحات إذا ما كانت ذات أهمية
- المعلومات المتعلقة بالأشحاص المعنيين( فاعل، شريك،ضحية...)
-ذكر الإلتماسات المقدمة والإتهامات الموجهة
- آفاق تطور الملف
- إذا ما إقتضى الأمر،تأثير الوقائع على الرأي العام
- في حالة الضرورة،الإعلان عن تقرير لاحق
- كل القضايا الجنائية،يجب أن تكون موضوع تقرير يرسل إلى النائب العام
إدارة قاضي النيابة للتحقيقات
التحقيق الإبتدائي
تنص الفقرتان الرابعة والخامسة من المادة 36 من قانون الإجراءات الجزائية على أن وكيل الجمهورية يقوم بما يأتي:
- مباشرة أو الأمر بإتخاذ جميع الإجراءات اللآزمة للبحث والتحري عن الجرائم المتعلقة بالقانون الجزائي،
- تلقي المحاضر والشكاوي والبلاغات ويقرر ما يتخذه بشأنها ويخطر الجهات القضائية المختصة بالحقيق أو المحاكمة للنظر فيها أو يأمر بحفضها بمقرر يكون قابلا دائما للمراجعة ويعلم به الشاكي و/أو الضحية إذا كان معروفا في أقرب الآجال.
ما يستنتج من هذه المادة هو أن لضباط الشرطة القضائية،سواءا بناءا على تعليمات من وكيل الجمهورية أو بمبادرة منهم معاينة الجرائم المتعلقة بقانون العقوبات،جمع الأدلة والبحث عن الفاعلين وهذا قبل إخطار قاضي التحقيق بالوقائع.
فالتحقيق الإبتدائي يتميز بمميزات عديدة،فهو يسمح لوكيل الجمهورية إمكانية الحصول على معلومات للتأكد من مدا جدية الشكاوى والبلاغات،و النتيجة تسمح له بان يقرر على دراية تحريك الدعوى العمومية أم لا.
و يتميز التحقيق الإبتدائي عن التحقيق في الجرائم المتلبس بها،بمرونته وبطابعه الأقل ردعا.
إن هذا لا يعني أن التحقيقين مختلفين،بل بالعكس فها يحملان أوجه تشابه كثيرة،فهما يسمحان بالقيام بإجراءات من طبيعة واحدة،كما يتميزان بالسرية ويظهر ذلك خلال عملية التفتيش.
و تجدر الإشارة إلى أن المادتين 45و64 من قانون الإجراءات الجزائية تلزم ضباط الشرطة القضائية والقضاة ومساعدي العدالة بعدم إفشاء سرالتحقيق والتفتيش ولا تشير إلى باقي الأطراف،كالضحايا والشهود والمتهمين الذين لاإلتزام لهم قانونا بحفظ سر التحقيق،فيجب التحفظ من الفكرة السائدة عادة لدى أجهزة الإعلام حول السرية المطلقة للتحقيق الإبتدائي و التحقيق القضائي.
و من جهة اخرى فإن التحقيق الإبتدائي يتميز بطابعه الشكلي،فضابط الشرطة القضائية ملزم بتحرير محضر المعاينة الذي يحتوي على ما شاهده الضابط وما سمعه وما عاينه شخصيا وما قام به من تصرف،ويعتبر محضر التحقيق الإبتدائي المستند الرئيسي،فلا بد من إحتوائه على الأشكال الأساسية كالتاريخ وساعة بداية ونهاية العملية،إسم وصفة الضابط المحرر وشكلية ختام المحضر.
1 مجال التحقيق الإبتدائي:
إن القانون لا يحدد مجال التحقيق الإبتدائي ولا يعطي وصفا دقيقا له.
و بإعتباره عملية ضبط قضائي،فإن فتح مثل هذا التحقيق يفترض وجودا فعليا أو إفتراضيا لجريمة ما مما يجعل مجاله واسعا جدا لكونه يتعلق بكل الجرائم مهما كان وضع الأشخاص المشتبه فيهم ودون إعتبار لظروف معاينة الجرائم.
أ كل الجرائم: إن المشرع لم يحدد بالتدقيق طبيعة الأفعال التي يمكن بسببها فتح تحقيق إبتدائي بمبادرة من ضابط الشرطة القضائية أو على إثر تعليمات من وكيل الجمهورية،فالمادة 63 من قانون الإجراءات الجزائية جاءت عامة وغير محددة،مما يستنتج منه وأن مجال التحقيق الإبتدائي غير محدد ويشمل كل الجنايات والجنح والمخالفات وأنه حتى بالنسبة للجرائم البسيطة والتي لا تعرض مرتكبيها لعقوبات سالبة للحرية،يمكن لضابط الشرطة القضائية أن يقرر وضع المخالف في الحجز تحت النظر أو القيام بتفتيش.
غير أن الحكمة والواقع العملي،كرسا العرف المتمثل في عدم اللجوء إلى الوضع تحت النظر وإلى التفتيش إلا إذا تعلق الأمر بجرائم تعرض مرتكبيها إلى عقوبات سالبة للحرية.
ب كل شخص مشتبه فيه: إن كل شخص طبيعي أو معنوي،مع الأخذ بعين الإعتبار خصوصيات كل منهما خاصة بالنسبة للوضع تحت النظر،يمكن أن يكون موضوع تحقيق إبتدائي،غير أنه توجد قواعد خاصة متعلقة ببعض الفئات من الأشخاص تحد من سلطات المحققين وذلك بفرض حصانة أو منع للإنتهاك.
و يمكن ذكر في هذا الإطار الدبلماسيين الأجانب و البرلمانيين الذين يتمتعون بحصانة إجرائية.
ج عدم أهمية الظروف المحيطة بإكتشاف الجريمة: بخلاف التحقيق في الجرائم المتلبس بها والذي يشترط على الأقل معاينة وقائع إجرامية آنية،فإن التحقيق الإبتدائي يمكن أن ينطلق من مجرد شكوك تراود ضابط الشرطة القضائية،أو مؤشرات غير محددة،كالتبليغ من طرف مجهول عن وقائع غير دقيقة وهذا دون أن يكون شرط القيام القطعي للجريمة،كما هو الحال في الجرائم المتلبس بها،مطلوبا.
و من جهة أخرى،لا يشترط أي تقارب من حيث التوقيت بين تاريخ إرتكاب الوقائع وتاريخ فتح التحقيق الإبتدائي،و الذي يمكن مباشرته أشهر أو سنوات بعد إرتكاب الوقائع شريطة أن يكون ذلك خلال آجال تقادم الدعوى العمومية.
و بالمفهوم العكسي،فإن ضابط الشرطة القضائية غير ملزم بإتباع إجراءات التحقيق في الجرائم المتلبس بها في حالة قيامها،فبإستطاعته فتح تحقيق إبتدائي في جريمة متلبس بها.
و من خلال ما تقدم،يتضح وأن التحقيق الإبتدائي المجرى من طرف الضبطية القضائية،يشكل بالنظر لمجاله الواسع،التحقيق البوليسي للقانون العام.
2 نظام التحقيق الإبتدائي: إن عدم مساس التحقيق الإبتدائي بالحريات الفردية أو القليل بها،يؤكد طابعه الغير محدود.
أ المساس المحدود بالحريات الفردية: بعكس التحقيق في جرائم التلبس،فإن التحقيق الإبتدائي لا يستند على حالة الإستعجال ولا على العلم اليقيني أو شبه اليقيني بوقوع الجريمة،وما دامت الضرورة الملحة للمساس بالحريات الفردية منعدمة،فإنه من الحكمة إعادة التوازن الضروري لكل تحقيق إبتدائي جيد.
و بالإضافة إلى طابعه غير المكره،فإن التحقيق الإبتدائي يضيف ضمانات أخرى تتعلق بالسلطات المختصة بإنجازه.
- مبدأ عدم الإكراه: إن المفهوم الكلاسيكي للتحقيق الإبتدائي يتمثل في إعتباره خال من كل إكراه،بعكس التحقيق في جرائم التلبس،بحيث أسندت سلطات إلى قاضي التحقيق وضابط الشرطة القضائية المفوض من طرفه.
و الفكرة الأساسية تتمثل في إعتبار هذا النوع من التحقيقات مبني على القبول الطوعي للمعنيين به،وعليه،فإنه من المبادئ المكرسة في المادة 64 من قانون الإجراءات الجزائية،أن التفتيش وحجز وسائل الإقناع لا يمكن أن يتم دون الرضا الصريح والمكتوب لصاحب المسكن،ومن الضروري في حالة عدم كفاية الإجراءات المنصوص عليها في المادة 64 أن يقوم وكيل الجمهورية بفتح تحقيق قضائي وتكليف قاضي التحقيق بذلك.
- الضمانات المرتبطة بالسلطات المختصة: إن الأعوان المكلفين بإنجاز التحقيقات الإبتدائية،هم ضباط الشرطة القضائية وتحت إشرافهم ومراقبتهم،أعوان الضبطية القضائية ويتصرفون بإدارة وتعليمات من وكيل الجمهورية أو بناءا على مبادرتهم الخاصة،ويظهر ذلك في حالة تلقيهم للشكاوى وتسجيلها أو عندما يعاينون بمناسبة ممارستهم لمهامهم في المراقبة وحماية المواطنين،جرائم ومخالفات للقانون الجزائي.
و قد حصر المشرع سلطات القيام بالتحقيقات الإبتدائية في الجنايات والجنح إلى ضابط الشرطة القضائية،ولم يسند إلى باقي الأسلاك التي تتمتع بسلطات الضبط القضائي( رؤساء الأقسام والأعوان التقنيون والتقنيون المختصون في الغابات وحماية الأراضي وإستصلاحها…)إلا التحقيقات الإبتدائية المتعلقة بإختصاصاتهم المحضة،أما بالنسبة للولاة،فقد أسند لهم سلطات الضبط القضائي إستثناءا في الجرائم الماسة بأمن الدولة،وفي حالة الإستعجال فقط وعلى شرط أن لا تكون السلطات القضائية قد أخطرت بالوقائع.
و ككل عملية ضبط قضائي،فإن التحقيق الإبتدائي يكون تحت إدارة وكيل الجمهورية الذي بإمكانه أن يباشر التحقيق بنفسه،بعد أن أسندت له صراحة،السلطات المرتبطة بصفة ضابط الشرطة القضائية.
إن مجموع هذه السلطات تخضع لرقابة النائب العام الذي يمارس السلطة التأديبية،ذلك أنه في حالة إرتكاب ضابط الشرطة القضائية للأخطاء مهنية،يكون بإمكانه تحريك الدعوى التأديبية ضدهم بإخطار غرفة الإتهام.
ب المدة التي يستغرقها التحقيق الإبتدائي: إن التحقيق الإبتدائي لا يخضع للقواعد الصارمة المطبقة على التحقيق في الجرائم المتلبس بها وذلك فيما يخص آجال التنفيذ،فهو لا يخضع في سيره إلى شرط الإستمرارية في الإنجاز،فيمكن وقفه وإعادة السير فيه في الحدود الزمنية لتقادم الدعوى العمومية،كما يمكنه أن يمتد لأسابيع او حتى شهور.
إن هذه المرونة تسمح للمصالح المختصة بتسيير التحقيق حسب رغبتها.
و لتفادي التجاوزات،وحتى لا يخرج التحقيق عن الرقابة الفعلية لوكيل الجمهورية،فإن على هذا الأخير أن يكون متابعا عن كثب للأطواره وأن يلزم ضابط الشرطة القضائية بتقديم تقارير دورية حول ما وصلت إليه التحقيقات.