المحاكم الإدارية الجزائرية
تعتبر المحاكم الإدارية هياكل قاعدية للنظام القضاء الإداري وإذا كانت الجزائر قد عرفت سنة62 إنشاء ثلاث محاكم إدارية إلا أن المحاكم الإدارية المستحدثة بموجب القانون98-02 تتميز عن المحاكم الأولى من زاويا عدة سنتطرق إليها لاحقاً.
فيقتضي من هذا التعريف بهذه المحاكم إلى بيان أساسها القانوني وعددها وتنظيمها وتشكيلها
واختصاصاتها والإجراءات المتبعة أمامها وأحكامها.
المبحث الأول:
تنظيم المحاكم الإدارية
المطلب الأول: الأساس القانوني للمحاكم الإدارية وعددها
تعد المحاكم الإدارية كأساس قانوني يرتكز عليه النظام القضائي الإداري مما تطرقت بعض القوانين
إلى ذكر عدد هذه المحاكم.
الفرع الأول: الأساس القانوني للمحاكم الإدارية وعددها
تستمد المحاكم الإدارية وجودها القانوني من نص المادة152من الدستور والتي تبين صراحة على
صعيد التنظيم القضائي نظام ازدواجية القضاء والتي جاء فيها:
"يؤسس مجلس الدولة كهيئة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية".
-بذلك تكون هذه المادة قد أعلنت صراحة عن إنشاء المحاكم الإدارية على مستوى أدنى
درجات التقاضي مستقلة عن المحاكم العادية تفصل في المنازعات الإدارية دون سواها وبالمقابل أجاز الدستور في مادته 143 الطعن القضائي في قرارات السلطات الإدارية.
بتاريخ 30ماي 1998 وبموجب القانون رقم98-02 صدر أول قانون خاص بالمحاكم الإدارية
بعد الاستقلال.
احتوى على 10مواد تناولت مسألة تنظيم وتشكيل المحاكم الإدارية وخلاياها وأقسامها
الداخلية وتركيبتها البشرية والإطار العام لتسيرها مالياً وإدارياً، كما تضمن هذا القانون بعض الإحكام الانتقالية التي أعطت للغرف الجهوية والمحلية صلاحية النظر في المنازعات الإدارية بحسب ما تقتضيه قواعد الإجراءات المدنية والإدارية في انتظار تنصيب المحاكم الإدارية.
وبتاريخ 14 نوفمبر 1998 وبموجب المرسوم التنفيذي رقم98-356 المتضمن كيفيات تطبيق
القانون رقم98-03 تم الإعلان رسمياً عن إنشاء31محكمة إدارية تنصب تباعاً بالنظر لتوافر جملة من الشروط الموضوعية لسيرها.
وأعلن هذا المرسوم عن تشكيلة المحكمة الإدارية وخصص أحكاماً لمحافظ الدولة ولكتابة الضبط
وأخرى تتعلق بالملفات والقضايا المستعجلة مما أدى بإنشائه للمحاكم الإدارية فالمشرع قد فصل جهة القضاء العادي عن جهة القضاء الإداري.
فتؤيد في هذا المجال أنه ليس من السير على المحاكم العادية أن تقوم بمهمة الفصل في منازعات
الإدارة وليس من السير عليها أن تطبق القانون الإداري الذي نشأ وتطور في ظل القانون الإداري. لهذا أنشأ المشرع الفرنسي قضاء الإداري فصلاً ينظر في المنازعات الإدارية وأثبتوا قدرة كبيرة في رقابة تصرفاتها وحماية الأفراد وكذلك قدرته في التوقيف بين حقوق الأفراد.
وهذا ينبغي التذكير أن فرنسا وهي بلد القضاء الإداري وفي ترابها نشأ وتطور القانون
الإداري إلا أن المحاكم الإدارية عرفت من حيث المنشأ تأخراً كبيراً بالنظر لميلاد مجلس الدولة الفرنسي.
وجاء قانون الإجراءات المدنية والإدارية ليثبت الوجود القانوني المحاكم الإدارية معتبراً إياها
بموجب المادة800جهة الولاية العامة في المنازعات الإدارية وتختص بحكم قابل للاستئناف في جميع القضايا تكون الدولة أو البلدية طرفاً فيها.
الفرع الثاني: عدد المحاكم الإدارية
نصت المادة الثانية من المرسوم التنفيذي رقم98-356: "تنشأ عبر كامل التراب الوطني إحدى وثلاثون(31) محكمة إدارية كجهات قضائية للقانون العام في المادة الإدارية".
يتضح من هذا العدد الفرق الكبير بين سنة 1962 حيث كان عدد المحاكم الإدارية ثلاثة محاكم في كل
من الجزائر ووهران وقسنطينة شمل اختصاصها الإقليمي كل التراب الوطني كما رأينا وارتفع سنة 1998عدد المحاكم إلى 31 محكمة ولو نظرياً أي على مستوى النصوص الرسمية فقط.
فبعض أعضاء مجلس الأمة اقترح أن يكون عدد المحاكم الإدارية بنفس عدد المحاكم العادية.
وعدد المحاكم الإدارية ساعة عرض النص على مجلس الأمة قدر ب170 محكمة عبر التراب الوطني أضيف
إليها بمناسبة إنشاء 17 مجلساً قضائياً 50 محكمة ليصيح العدد الإجمالي220 محكمة عادية ورد وزير العدل أنه إذا وقفنا بين عدد المحاكم العادية والمحاكم الإدارية ووصلنا إلى ذات العدد فمعنى ذلك أن المحاكم الإدارية على كثرتها تصبح مثل المصالح الإدارية موزعة في كل ولاية، وتفقد بذلك مكانتها وقيمتها والوزير جزم على أن المحاكم الإدارية بإمكانها تغطية جميع المنازعات فلا يمكن بالنظر لعامل كثرة المحاكم الإدارية أن ينتج عنه فقدها لقدستها فتصبح مجرد مصالح إدارية بل بالنظر لعوامل أخرى نوجزها فيما يلي:
1- إنشاء محاكم إدارية بنفس عدد المحاكم العادية يستوجب توافر عدد كبير من القضاة من
ذوي الخبرة الطويلة والكفاءة العالية برتبة مستشار.
2- إنشاء محاكم إدارية بنفس عدد المحاكم العادية كل يقرض وجود خلاف مالي معتبر لتغطية
نفقات هذه الهياكل الكثيرة والمتعددة.
ملاحظات:
- المحاكم الإدارية ذات الاختصاص الوحيد (ولاية واحدة) وهي:
*أدرار-باتنة-بجاية- الجلفة-وهران-معسكر-المدية المجموع 15 ولاية.15 محكمة إدارية.
*المحاكم الإدارية ذات اختصاص ولايتين وهي:
-المحكمة الإدارية بالشلف وتمتد لولاية عين الدفلى.
-المحكمة الإدارية بالأغواط وتمتد إلى غرداية.
-المحكمة الإدارية بسيدي بلعباس وتمتد إلى عين تموشنت.
-المحكمة الإدارية بعنابة وتمتد إلى الطارف غير ذلك المجموع 15محكمة إدارية وتغطي نطاق30ولاية.
المحكمة الإدارية ذات اختصاص ثلاث ولايات:
-ولاية المحكمة الإدارية بسعيدة يمتد اختصاصها البيض وولاية النعامة المجموع العام31 محكمة
إدارية تغطي اختصاص 48 ولاية.
-وتذهب إلى أكثر من ذلك فنقول أن عدد القضاة سنة 2000ليس كافياً لإنشاء31 محكمة إدارية
فقط بل وأقل من هذا العدد والدليل هو التأخير في تنصيب المحاكم الإدارية بحكم قلة الجانب البشري.
-إن دواعي الإصلاح القضائي تفرض أن تخصص السلطة التنفيذية غلافاً مالياً معتبراً وعلى مدى سنوات لتمكن المؤسسة القضائية كمؤسسة قانونية دستورية أن يعاد لها الاعتبار اللازم والضروري الذي يليق بها وتفتح سبيلاً لخريجي معاهد العلوم القانونية والإدارية لالتحاق بالقضاء بغرض إعطاءه دفعاً أكثر يمكنه من أن يلعب الدور المنوط به على صعيد الفصل في المنازعات.
المطلب الثاني:التنظيم الداخلي للمحاكم الإدارية وتشكيلتها الداخلية
الفرع الأول: التنظيم الداخلي للمحاكم الإدارية
-تضم المحكمة الإدارية من الناحية البشرية كل من رئيس المحكمة والقضاة ومحافظ الدولة
ومساعديه وكتاب ضبط ومن ناحية التنظيم الإداري تتشكل من مجموعة غرف وأقسام وفيما يلي بيان ذلك:
1-رئيس المحكمة: إن المحكمة الإدارية محكمة مستقلة عن جهة القضاء العادي يتولى رئاستها
قاضي يعين بموجب مرسوم رئاسي.
2- القضاة: وعددهم غير محدود ويشغلون رتبة مستشار ويخضعون للقانون الأساسي للقضاء ويمارسون
مهمة الفصل في المنازعات الإدارية المعروضة على المحكمة.
3- محافظ الدولة :يتولى محافظ الدولة ومساعده مهام النيابة العامة على مستوى المحكمة الإدارية
ويقدمون مذكراتهم بشأن المنازعات المعروضة على المحكمة وقد نصت المادة 846من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على دور محافظ الدولة على أنه:"عندما تكون القضية مهيأة للجلسة أو عندما تقتضي القيام بالتحقيق عن طريق خبرة أو سماع شهود وغيرها من الإجراءات يرسل الملف إلى محافظ الدولة لتقديم التماساته بعد دراسته من قبل القاضي المقرر وهكذا أعلن النص بصريح العبارة أن دور محافظ الدولة يأتي بعد إعادة التقرير من قبل العضو المقرر فكأنما محافظ الدولة بهذا الدور اللاحق يمارس مهمة المقرر الثاني حيث أن جهاز محافظ الدولة في الجزائر دوراً لا يستهان به في إرساء مبادئ القانون الإداري الجزائري.
4- كتابة الضبط: تحتوي المحكمة الإدارية على كتابة الضبط يشرف عليها كاتب ضبط رئيسي
يساعده كتاب ضبط ويمارس هؤلاء مهامهم تحت السلطة المشتركة لكل من رئيس المحكمة ومحافظ الدولة.وكتاب الضبط يتم توزيعهم على مستوى الغرف والأقسام ويسهرون على حسن سير مصلحة كتابة الضبط ويمسكون السجلات الخاصة بالمحكمة ويحضرون الجلسات ويخضعون للقانون الأساسي لموظفي كتاب الضبط الجهات القضائية.
- الغرف والأقسام: تنقسم المحكمة الإدارية إلى مجموعة غرف وأقسام لم يشر قانون المحاكم الإدارية
إليها بل أحال الأمر إلى التنظيم ولقد صدر هذا التنظيم بموجب التنفيذ رقم98-356 المؤرخ في 14 نوفمبر1998ونصت المادة05منه على أن:"تتشكل كل محكمة إدارية من غرفة واحد إلى03. ويمكن تقسيم كل غرفة إلى قسمين على الأقل أو أربعة على أكثر.
-فلا يمكن أن تساوي في عدد الغرف والأقسام بين كل من المحكمة الإدارية بسطيف أو تيزي
وزو والمحكمة الإدارية بأدرار وأم البواقي لاشك أن المنازعات عددها يعرف خاصة تزايد كبير في المدن الكبرى نتيجة كثرة البلديات والتواجد الكبير للمؤسسات الإدارية.
-فقد قام بعض أعضاء مجلس الأمة ملاحظة بخصوص صلاحية وزير العدل في إنشاء غرف و
أقسام المحكمة الإدارية لأن العمل المنطقي يكون بالنظام اللامركزي دعوى إلى ضرورة الإدارة المركزية لأن بطبيعة الحال رئيس المحكمة الإدارية أقرب ميداناً لمعرفة عدد وحجم ونوع القضايا المعروضة على المحكمة فبإمكانه أن ينشئ من الغرف والأقسام حسب عدد هذه القضايا ويتحكم في تسيير المحكمة غير أنه لم يتطرق في نص المادة05 من المرسوم التنفيذي98-356 لسلطة الاقتراح إذ كيف يعهد لرئيس المحكمة الإدارية برئاسة المحكمة الإدارية وعليه تقترح تعديل المادة05 المذكور بالشكل التالي: "...يحدد وزير العدل بقرار عدد غرف وأقسام كل محكمة إدارية بناء على اقتراح من رئيسها. "
الفرع الثاني: تشكيلة المحكمة الإدارية
-نصت المادة03 من القانون98-02المؤرخ في30ماي1998المتعلق بالمحاكم الإدارية على ما يلي: "يجب
لصحة أحكامها أن تتشكل المحكمة الإدارية من ثلاثة قضاة على الأقل من بينهم رئيس ومساعدان اثنان برتبة مستشار". ويتضح لنا من نص المادة أن تشكيلة المحاكم الإدارية في الجزائر تتميز بالخصائص التالية:
1- أن المحاكم الإدارية تتشكل من قضاة مجتمعين.وهذا أمر طبيعي فالقضاء الإداري قضاء كثير ما يعتمد على الاجتهاد فهو ليس بالقضاء التطبيقي في الغالب الأعم كما هو الحال بالنسبة للقضاء العادي فالمشرع الجزائري في مجال القانون الخاص سن من الأحكام ما ينظم مختلف العلاقات ويحكم الكثير من الوقائع. فلو أخذ مثلاً القانون المدني نجده قد احتوى على1003مادة نظمت الجوانب المختلفة للمعاملات المدنية وقلما ينزل القاضي من المصدر الأول وهو التشريع إلى المصدر الثاني وهو الشريعة الإسلامية فالمنازعة المعروضة أمام أي قاضي كان تجاري أو مدني....إلخ
نجد لها حلاً من صنع المشرع نفسه فيحكمها بموجب نص قانوني(القاضي)فهذا خلاف القاضي الإداري الذي يواجه في كثير من الأحيان بمنازعة دون نص يحكمها مما يتحتم عليه لاجتهاد لحل النزاع.فيمكن أن نشير على أن القانون الإداري كأحد أهم فروع القانون الهام هو من منشأ قضائي. فلولا إجتهادات القضاء الإداري لما كان القانون الإداري ليعرف تطوره ووجوده.
-فالمشرع قد جسد فكرة التخصيص في الوسط القضائي بما لها من فوائد ومنافع كثيرة في تحسين
الأداء القضائي ويكون قد فتح سبيلاً للقاضي لتعميق قدراته ومعارفه وتمكينه من أداء أفضل لعمله خاصة.
قد فصل السيد وزير العدل أمام مجلس الأمة وأبرز الباب الفصل بين القضاء الإداري والقضاء العادي والمغزى منه إنشاء المحاكم الإدارية بقوله:"إن إنشاء المحاكم الإدارية إلى جانب مجلس الدولة سوف يمكن من استكمال بناء أدوات النظام الإداري كنظام مستقل عن النظام القضائي يتولى الفصل في المنازعات الإدارية وتخصيص القضاة في مجالات معينة بغية التحكم الأفضل في الميادين المخلفة للقانون ومن ثم تعزيز السلطة القضائية وجعلها ذات فعالية ونوعية كما يمكنها من تلبية حاجيات المواطن وضمان حقوقه. بالتالي تكريس دعائم دولة القانون".
2-إن المحاكم الإدارية تتشكل من قضاة لتشكيلة المحكمة الإدارية وأن تكون رتبة كل واحد منهم في المحاكم الإدارية من القضاة القدامى الذين أمضوا سنوات في أداء العمل القضائي وجدير بالإشارة إلى أن الالتحاق بالمحاكم الإدارية مكفول للرجال والنساء على حد سواء ودون تميز وهذا ما جاء بالمادة 51 من الدستور والتي كفلت مبدأ التساوي في الالتحاق بالوظائف.
-فالمؤتمر الدولي للقضاة المنعقد بروما 13 أكتوبر 1958 إلى شرط المؤهل العملي للقاضي وجاء
في محتواه أن القاضي ينبغي أن يكون ممن يحملون شهادة المرشحين بصفة قضاة بعد دراستهم بمعاهد الحقوق وفي السياق أثار التقرير الصادر عن الأمانة العامة لمجلس وزراء العدل العرب أن أغلب الدول العربية تشترط الالتحاق بالوظيفة القضائية شهادة الإجازة في الحقوق.
-فتعلق الأمر بالقضاء الإداري وجب أن تفرض رتبة أعلى وتجربة أوسع وكفاءة كبيرة حتى يتمكن القاضي الإداري من مواجهة المنازعة الإدارية.
-فالمنازعة الإدارية تتميز من حيث الجانب العضوي فأحد أطرافها الدولة أو البلدية أو الولاية أو
المؤسسة العامة ذات الطابع الإداري.
-إما من حيث الموضوع فموضوعها يتعلق بالمصلحة العامة وتخضع الإجراءات خاصة تفصل ذلك
فيما يأتي:
*من حيث أطراف المنازعة(المعيار العضوي)
هذا المعيار تعيين أن يستقل القضاء الإداري والمحاكم الإدارية عن المحاكم العادية ومن جهة نظر
بعض الباحثين ليس هناك ما يمنع من أن تستمد مهمته الفصل في المنازعات الإدارية لقاضي أمضى سنوات وتجربته في الفضاء العادي. إلا أنه ينبغي أن يتحدد اختصاصه فقط بالفصل في المنازعات الإدارية التي تخضع لأصول ومبادئ إجرائية أن تستمد لاختصاص بالنظر في المنازعات الإدارية.
لقاضي أمضى جزءاً كبيراً في مساره الوظيفي وهو يفصل في المنازعة العادية وخاصة أن المشرع
الجزائري اشترط في القاضي الإداري الذي سيلتحق بالمحاكم الإدارية أن تكون رتبته الوظيفية مستشار وهو ما يؤكد سبق عمله في المحاكم العادية.
*من حيث الموضوع:
إن موضوع المنازعة الإدارية يتعلق بالمصلحة العامة فحين ترفع الإدارة دعوى أو ترفع ضدها
بخصوص تنفيذ صفقته أو اقتناء لوازم القيام بخدمات أو إنجاز أشغال عامة أو مباشرة إجراءات نزع الملكية فإن موضوع المنازعة في جميع هذه الأمثلة يتعلق بالمصلحة العامة فالإدارة لما تباشر إجراءات نزع الملكية مثلاً بغرض حرمان مالك مما يملك بل الغرض هو استخدام العقار المنزوع لتنفيذ مشروع عام يعود نفعه على الجماعة.
*من حيث الإجراءات:
اعتراف المشرع للمنازعة الإدارية ببعض الخصوصيات على الصعيد الإجرائي فلو أخذنا على
سبيل المثال الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا نجد المشرع قد فرض أن تكون عريضة النقض موقعة من قبل محامي معتمد لدى المحكمة العليا وهذا ما نصت عليه المادة 239من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الفقرة الثالثة منه كذلك من خلال المرافعات المدنية يسمح بتحقيق الاتصال المباشر بين القاضي وأدلة الإثبات. لذلك تغلب الصفة الكتابية على الإجراءات الإدارية ولا يعني ذلك انعدام الشفاهية، فالقاضي هو الذي يأمر بإجراء التبليغات وباتخاذ التدابير الضرورية للتحقيق في القضية والتحضير الحكم وهو الذي يحدد لوحده اللحظة التي تكون فيها القضية مهيأة للحكم،وإذا كان القاضي في الدعوى المدنية يشارك بقسط ضئيل في البحث عن الحقيقة ودوره محدود إذا يكتفي بحضور نقاش يشبه على حد وصف الدكتور أحمد محيو مبارزة قضائية يلعب فيها دور الحكم فيعلن عن النتيجة بينما يشارك القاضي الإداري مشاركة فعالة.
المبحث الثاني:
اختصاصات المحاكم الإدارية والإجراءات المتبعة أمامها
المطلب الأول: اختصاصات المحاكم الإدارية
الفرع الأول: الاختصاص النوعي
-نصت المادة الأولى من القانون 98/02 المؤرخ في 30 مايو1998 على أن: "تنشأ محاكم
إدارية كجهات قضائية للقانون العام في المادة الإدارية".
يتضح من هذه المادة أن المحكمة الإدارية تختص نوعياً بالنظر في كل منازعة إدارية أيا كان أطرافها وموضوعها وهذا ما يفهم من عبارة الجهات القضائية للقانون العام في المادة الإدارية، وردت بصفة مطلقة ودون تخصيص أو تحديد وإذا قابلنا الأحكام المتعلقة بالاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية بمثيلتها بالنسبة لمجلس الدولة ونستنتج ما يلي:
1-إن الاختصاص القضائي لمجلس الدولة محدد بنوع معين من المنازعات: استنادا للمادة09-10-11 من القانون العضوي 98/01 المذكور حيث يمارس مجلس الدولة كما رأينا دور محكمة ابتدائية ومحكمة استئناف ومحكمة نقض بينما تجد اختصاص المحاكم الإدارية مطلق غير محدد فلها أن تنظر في كل منازعة إدارية ماعدا المنازعات التي أخرجت من نطاق اختصاصها بموجب القانون كالطعون الموجهة ضد القرارات التنظيمية أو القرارات.
2-وفيما يخص الدور الاستشاري (الوظيفة التشريعية)
-سبق القول أن مجلس الدولة يمارس استنادا للمادة 119 من الدستور وظيفة استشارية في
المجال التشريعي فيمد بخبرته وكفاءته البشرية الحكومة بما يراه مناسباً بخصوص مشاريع القوانين على اختلاف موضوعها والقطاع المعنى بها غير أننا لا نجد المحاكم الإدارية تمارس الدور الاستشاري على مستوى المجلس واكتفى المشرع بتحديد اختصاصها فقط في الجانب القضائي وكان أفضل لو أسند المشرع للمحاكم الإدارية وظيفة الاستشارة بالنسبة للإدارة المحلية خاصة أن هذه الأخيرة تعاني من عقبات كثيرة منها عقبات التسيير وقد وجدت هذه الوظيفة الاستشارية أو الاختصاصات الإدارية للمحاكم الإدارية منذ ظهورها في مراحل تطورها المختلفة.
الفرع الثاني: الاختصاص المكاني
-أن قواعد الاختصاص المكاني لا تطرح أي إشكال على المستوى القانوني إذ يعود للتنظيم مهمة
رسم المعالم الجغرافية والإقليمية لكل محكمة إدارية وهو أمر تضمنته المرسوم 98-356 في الملحق المتعلق بالاختصاص الإقليمي( الجريدة الرسمية رقم86 لسنة 98 الصفحات من05 إلى 16.
المطلب الثاني: الإجراءات المتبعة أمام المحكمة الإدارية
تخضع الإجراءات المطبقة أمام المحاكم الإدارية لقانون الإجراءات المدنية والإدارية غير أن هذا الأخير لم تعدل أحكامه رغم مرور ما يزيد عن 27 شهرا من صدور القانون المتعلق بالمحاكم الإدارية وأن كانت الحكومة قدمت مشروعا لتعديل قانون الإجراءات المدنية والإدارية ولم تتم مناقشته لأسباب لا نعلمها ولعلها بادرت إلى سحبه من الغرفة الأولى لإعادة تنقيحه وضبطه.
وإذا كانت الأسباب الناتجة عن تأخر الصدور القانون الإجراءات المدنية المعدلة والمتمم, فان هناك
مخاطر جمة تترتب على هذا التأخر ذاك أن قانون الإجراءات المدنية الصادر سنة1966 صيغت أحكامه
وقواعده بحسب النمط القضائي القديم ( نظام الوحدة )أما اليوم وبعد أن تبنى نظام الازدواجية صراحة بمقتضى نصوص دستورية وتم الفصل بين جهة القضاء الإداري وجهة القضاء العادي وأنشئ مجلس الدولة والمحاكم الإدارية ومحكمة التنازع والأجدر من ذلك تتويج مسار الإصلاح القضائي بالفصل من الناجية الإجرائية بين المنازعات الإدارية والمنازعات التي تخضع للقضاء العادي خاصة وإن المنازعة الإدارية كما رأينا أنها تتمتع من الخصوصيات بالنظر لأطرافها أو موضوعها.
أما نظام الازدواجية في الجزائر فقد تطور بعد مرحلة القضاء الإداري وأدى إلى الفصل في الإجراءات الإدارية وتقنينها ضمن إطار قانوني مستقل عن قانون الإجراءات المدنية والإدارية وتسميه حين إذن بقانون الإجراءات الإدارية, وطبقا للمادة 169من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ترفع الدعوى أمام المحكمة الإدارية بعريضة مكتوبة وموقع عليها من الخصم أومن محام مقيد من نقابة المحامين.
وتودع لدى قلم كتاب المحكمة ويجب أن تتضمن اسم ولقب وموطن مقدم العريض ومهنته واسم
ولقب خصمه ومحل موطنه وملخص الموضوع والمستندات المؤيدة له أما إذا تعلق الأمر بدعوى الإلغاء وجب أن تصحب الدعوى بالقرار المطعون فيه ويجب أن تكون الدعوى ومذكرا الدفاع المقدمة من الدولة موقعة من الوزير المختص أو الموظف الذي يفوض لهذا الغرض.
أما البلدية أو الولاية يمثلها الموظف المؤهل قانونا لها مثل الوالي ورئيس المجلس الشعبي البلدي فحينها
يجب إرسال العريضة بعد قيدها إلى رئيس الغرفة المعنية (رئيس الغرفة الإدارية سابقا )لتعيين مستشار مقرر حيث يلعب هذا الأخير دورا في مجل الفصل في المنازعات الإدارية ويعمل بكل استقلالية عن رئاسة المحكمة أو وزارة العدل, كما يلزم عليه بدل جهد كبير لتزويد زملائه في تشكيله للمحكمة بكل المعلومات والوقائع اللازمة وكل هذا بغرض الوصول إلى حكم موضوعي عادل.
خلال مدة ثلاثة أشهر يتعين على القاضي إجراء الصلح بين أطراف المنازعة فإذا تحقق هذا يصدر رئيس المحكمة قرار يثبت فيه اتفاق الطرفين ويخضع لإجراءات التنفيذ وفي حالة الوصول إلى اتفاق يحرر محضر عدم الصلح وتخضع القضية إلى إجراءات التحقيق ويقوم المقرر بتبليغ العريضة إلى كل من المدعى عليه من الدعوى مع إنذاره وبان يودع مذكرة مصحوبة بعدد من النسخ يقدر عدد الخصوم وذلك في المواعيد التي يحددها , فيقوم باعدا الملف ويأمر بتقديم المستندات التي يراها لازمة في ملف القضية وأن يستبعد كل المذكرات التي تودع في تاريخ لاحق لانقضاء آخر ميعاد ممنوح لإيداعها.
إذا قرر رئيس الغرفة بالمحكمة الإدارية بان حل القضية بات مؤكدا يجوز له الاستغناء عن التحقيق
ويحيل الملف إلى محافظ الدولة ,أما إذا أصبحت مهيأة للفصل يقوم المقرر بإيداع تقرير مكتوب ويحال الملف إلى محافظ الدولة الذي يقوم بدوره باعدا مذكرته خلال شهر.
أما عند حلول الأجل أو عند عدم حلوله فالعضو المقرر بالاتفاق مع رئيس الغرفة المعينة يحدد أن تاريخ المجلس ويأمر هذا الأخير كاتب الضبط بإعلام محافظ الدولة والخصوم بتاريخ الجلسة وذلك قبل انعقاده بثمان أيام ويجوز تخفيضه إلى أربعة أيام على الأقل في حالة الاستعجال غير أن المادة 170 فقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية انه لا يجوز لرئيس الغرفة الإدارية أن يوقف تنفيذ قرار يمس في موضوعه حفظ النظام والسكينة العامة.
-ما عند فتح الجلسة يسمع تقرير المستشار المكتوب كما تسمع ملاحظات الأطراف الشفهية لتعزيز
مذكراتهم وتسمع طلبت محافظ الدولة أو ممثله وتحال الدعوى على المداولة وهذا ما يعني لنا إن قضاة المحكمة الإدارية في التداول يتمعنون بشان ما عرض عليهم من نزاع فيصدر الحكم الأخير وينطق به في الجلسة العلنية.
المطلب الثالث: أحكام المحاكم الإدارية
-يعتبر الحكم الإداري النهاية الطبيعية للمنازعة الإدارية فكل منازعة لابد أن تنتهي بحكم يتعلق بالموضوع
وينطق بالحكم في جلسة علنية ذلك انه من غير الجائز إصدار الأحكام في جلسة سرية لان في ذلك مخالفة للمادة 144 من الدستور , كما يجب على الحكم أن يتضمن مجموعة من الأحكام:
أ – البيانات المتعلقة بالجهات القضائية:ينبغي أن يشمل الحكم على اسم الجهة القضائية التي أصدرت الحكم وأسماء القضاء الذين شاركوا فيه واسم ولقب العضو المقرر ومحافظ الدولة أو مساعده وكاتب الضبط.
ب – البيانات المتعلقة بأطراف الخصوم وطلباتهم:يجب أن تحتوي الأحكام على أسماء وألقاب الأطراف المتنازعة ووظائفهم ومواطنهم أو مجال إقامتهم والمحامون الموكلون عنهم والطلبات التي قدمت الدفوع والمستندات الأساسية التي يستند عليها كل منهم.
ج- تسبيب إجراء الحكم وبيانات أخرى تتعلق به: إن التسبيب إجراء شكلي يتعين أن يتضمنه الحكم فهو على هذا الوصف إجراء وجوبي يترتب على إغفاله بطلان الحكم , وقد فرض المشرع تسبيب الأحكام على اختلاف أنواعها وجهات الصادرة عنها بما في ذلك أحكام المحاكم الإدارية حتى لا يصد القضاة عامة أحكامها بناءا على هوى أو عاطفة وإنما بصدوره بناءا على جملة من الأسباب والأدلة.
- التسبيب: مجموعة الأدلة الواقعة والحجج القانونية التي استندت عليها المحكمة في تكوين قناعتها بالحل الذي تضمنها حكمها وكذلك الإشارة على النصوص القانونية التي أثارها النزاع.
- غير أن الأحكام تصدر بالعبارة التالية ( الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية) وكذلك باسم
الشعب الجزائري.
ملاحظات بخصوص إصلاح 1996:
-هذا الإصلاح طرح الكثير من الملاحظات والإشكالات القانونية, ويبدو الأمر طبيعيا خاصة وأنها
أول تجربة رسمية لنظام الازدواجية ويكمل فيما يلي:
1- من حيث تحديد مجال الاختصاص: ذهب هذا الاتجاه على أن اختصاص المحاكم الإدارية ثابت في منازعات القضاء الكامل أو قضاء التعويض وانحصر دور المحكمة الإدارية بالنظر في المنازعات الإدارية التي كانت من اختصاص الغرفة الإدارية الموجودة على مستوى المجلس القضائي والغرفة الجهوية حيث انتهى إلى رفض تصنيف المنازعات وتوقيع الاختصاص تبعا لمصدر القرار عما إذا كان مركزي أو اللامركزية.
2- من حيث الطعن: في هذا الاتجاه اخل الإصلاح القضائي الجديد بمبدأ التقاضي على درجتين كإحدى الضمانات الأساسية بالنسبة للقاضي.
3- من حيث مبدأ تقريب العدالة من المتقاضين: أشرنا سابقا إلى أن الإصلاح القضائي الذي نتج عن دستور 1996 أخل بمبدأ التقاضي على درجتين كون الطعن بالاستئناف يرفع أمام مجلس الدولة عوض محكمة استئناف أخرى وهو كان يجب أن يسلكه المشرع حيث نتج عن هذا الدور المزدوج لمجلس الدولة كهيئة استئناف من جهة وتقص من جهة أخرى أن تحمل المتقاضي وحده عبئ التنقل إلى الجزائر العاصمة ومن أقصى نقطة في الوطن ينتقل المتقاضي قاصدا مجلس الدولة للبث في استئنافه.
4- من حيث عدد المحاكم: لقد أعلن المرسوم التنفيذي رقم 98/356 المؤرخ في 14 نوفمبر 1998 في مادته الثانية عن إنشاء 31 محكمة إدارية كجهة قضائية للقانون العام في المادة الإدارية لان المرسوم المذكور في مادته الرابعة بان تنصيب المحاكم يتم تدريجيا عبر الوطن عندما تتوفر الشروط الموضوعية إلا أن عددها 31 الذي حمله المرسوم يبقى مبالغا فيه إلى حد كبير ورغم أنه صدر في 14 نوفمبر 1998 ولم تنصب هذه المحاكم إلى غاية منتصف سنة 2000 . وقد تبنى هذا الإصلاح طالما انه يستند إلى مبررات وأسباب تمخضت على الإصلاح القضائي بموجب القانون98/01 و98/02. وجاء في هذا القانون على سبيل المثال أن الدولة وابتداء من سنة 1996تعيش حركة من الإصلاح الشامل والواسع ومن ثمة بمجرد فصل القضاء الإداري عن القضاء العادي يشكل خطة في مجال هيكلة النظام القضائي على نحو يلاءم تطور المجتمع الجزائري في المجال السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
[/size]