التحرش الجنسي harcèlement sexuel
هو الفعل المنصوص و المعاقب عليه بالمادة 341 مكرر من قانون العقوبات .
لم يكن هذا الفعل مجرما في القانون الجزائري إلى غاية تعديل قانون العقوبات بموجب القانون رقم 04-15 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 و قد جاء تجريمه كردة فعل لنمو التحرش الجنسي في مواقع العمل و استجابة لطلب الجمعيات النسائية.
و إذا كان قانون العقوبات إلى غاية تعديله سنة 2004 يضمن للمرأة الحماية من الاعتداءات الجنسية من خلال تجريمه الفعل المخل بالحياء و الاغتصاب ، فإن تلك الحماية مقصورة على الاعتداءات الجسدية التي تتطلب اتصالا جسديا بالضحية، في حين لا يقتضي التحرش الجنسي اتصالا جسديا و إنما يأخذ شكل ابتزاز و مساومة على ترقية أو نقل أو حتى الفصل من العمل بحيث لا يمكن الضحية تجنب المضرة ( أو الحصول على منفعة ) إلا بالنزول عند طلبات المعني و الاستجابة لرغباته الجنسية.
أركان الجريمة
تقتضي هذه الجريمة شرطا أوليا
أولا: الشرط الأولي
لا يمكن تصور هذه الجريمة في القانون الجزائري إلا في إطار علاقة تبعية أي علاقة رئيس بمرؤوسه قائمة بين الجاني و المجني عليه إذ تشترط المادة 341 مكرر أن يكون الجاني " شخص يستغل سلطة وظيفته أو مهنته " و من تم يفلت من التجريم ما يصدر عن زميل في العمل أو عن زبون في مؤسسة.
و لم يحصر المشرع الجزائري مجال تطبيق الجريمة في ما يصدر عن الجاني أثناء ممارسة الضحية لنشاطها المهني، فكل ما يتطلبه القانون هو أن يتم التحرش في إطار علاقة تبعية أي علاقة رئيس بمرؤوس، سواء تم ذلك أثناء ممارسة وظيفة أو بمناسبتها أو أثناء ممارسة مهنة أو بمناسبتها.
و عبارة "وظيفة" على شمولها تتسع لكل الأنشطة بصرف النظر عن إطارها فقد يكون الإدارة أو المؤسسات أو الجمعيات بل و حتى الترفيه و التطوع.
أما المهنة فيقصد بها على وجه الخصوص الوظائف المنظمة مثل الطب و القضاء و المحاماة و الهندسة و الفلاحة و الصناعة و التجارة الخ ... و الواقع أن عبارة الوظيفة تغنينا من الإشارة إلى المهنة.
و تجدر الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي، منذ تعديله قانون العقوبات بموجب قانون 17-01-2002 لم يعد يشترط علاقة رئيس بمرؤوس بين الجاني و المجني عليه ، حيث لم يعد يشترط النص أن يكون الجاني " شخصا يستغل سلطة وظيفته " و تبعا لذلك تقوم الجريمة و لو صدر التحرش عن زميل في العمل أو من أحد زبائن المؤسسة بل و حتى لو صدر من مستخدم.
ثانيا: الركن المادي للجريمة
تقتضي هذه الجريمة أن يلجأ الجاني إلى استعمال وسائل معينة و هي: إصدار الأوامر، التهديد ، الإكراه ، ممارسة ضغوط، و ذلك قصد إجبار الضحية على الاستجابة لرغباته الجنسية.
يتكون الركن المادي من عنصرين: استعمال وسيلة من وسائل العنف المادي أو المعنوي، و الغاية من استعمال الوسيلة أي الحصول على فضل ذي طابع جنسي.
1-الوسائل المستعملة: و تتمثل في ما يأتي:
-إصدار الأوامر: و يقصد به ما يصدر من رئيس إلى مرؤوس من طلبات تستوجب التنفيذ ، و قد يكون الآمر كتابيا أو شفويا ، و من هذا القبيل مدير مؤسسة الذي يطلب إحدى مستخدمتيه إلى مكتبه و يأمرها بغلق الباب و خلع ثيابها.
-التهديد: و تأخذ عبارة التهديد هنا بمعناها اللغوي فلا يقتصر مدلولها على التهديد المجرم في المواد 284 إلى 287 و إنما يتسع ليشمل كل أشكال العنف المعنوي. و يستوي أن يكون التهديد شفويا أو بواسطة محرر أو مجرد حركات أو إشارات، كأن يطلب المدير في المثال السابق، من مستخدمته قبول الاتصال به جنسيا و إلا فصلها من العمل.
-الإكراه: و قد يكون ماديا، و يقصد به استعمال القوة الجسدية أو وسيلة مادية كالسلاح كأن يرغم المدير ، في المثال السابق ، مستخدمته على تلبية طلبه مستعملا قوته الجسدية ، و في هذه الحالة قد يتحول الفعل إلى اغتصاب ، و قد يكون الإكراه معنويا و يقصد به التهديد كتهديد المستخدمة بإفشاء سر قد يضر بها إن كشف.
-ممارسة ضغوط: و الضغوط أشكال و ألوان، و قد تكون مباشرة أو غير مباشرة و تجدر الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي منذ تعديله قانون العقوبات بموجب قانون 17-01/2002 لم يعد يشترط استعمال وسيلة معينة، و تبعا لذلك تقوم الجريمة حتى لمجرد إغواء أو مراودة امرأة.
و إجمالا يمكن القول أن التهديد و الإكراه و ممارسة الضغوط هي أشكال للعنف المعنوي و من ثم يثار التساؤل حول التمييز بين جريمة التحرش و جريمتي الاغتصاب و الفعل المخل بالحياء اللتان لا تستبعدان لقيامهما العنف المعنوي.
و يشترط أن يتضمن حكم الإدانة الإشارة إلى إحدى الوسائل المذكورة أنفا ، و في هذا الصدد قضي في فرنسا بنقض قرار محكمة استئناف لكونها لم تشرح في قرارها كيف استعمل الجاني التهديد أو إصدار الأوامر أو الإكراه ، كما قضي في مناسبات أخرى بعدم قيام الجريمة لانعدام التهديد أو الإكراه أو إعطاء أمر .
علما أن هذه القرارات صدرت في ظل قانون العقوبات قبل تعديله بموجب قانون 17-01-2002 الذي لم يعد يشترط استعمال وسائل معينة.
ب-الغاية من استعمال الوسائل المذكورة: و تتمثل في الحصول على مزايا ذات طابع جنسي.
و هنا نلاحظ مرة أخرى اختلاف النص بين النسخة بالعربية و النسخة بالفرنسية حيث جاء في النص بالعربية: إجبار ( الغير ) على الاستجابة لرغبات ( الجاني ) الجنسية.
و الفرق واضح بين: " قصد الحصول على مزايا ذات طابع جنسي " كما جاء النص في النسخة بالفرنسية و " قصد إجبار (الغير) على الاستجابة لرغبات (الجاني) الجنسية " كما جاء النص في النسخة بالعربية.
فالنص الأول ألطف من الثاني و أوسع و أقرب إلى نية المشرع، ذلك إن إجبار الغير على الاستجابة للرغبات الجنسية يشكل صورة من صور العنف المعنوي الذي يكون الركن المادي لجريمة هتك العرض و الفعل المخل بالحياء مع استعمال العنف.
و تتسع عبارة " المزايا ذات الطابع الجنسي " لتشمل كل الأعمال الجنسية من التقبيل و الملامسة إلى الوطء ، و يشترط القانون أن يكون الجاني هو المستفيد و ليس غيره و من تم لا يسأل جزائيا من يستعمل الوسائل سالفة الذكر قصد تمكين غيره من الحصول على مزايا ذات طابع جنسي ما لم يشكل هذا الفعل جنحة تحريض قاصر على الفسق و الدعارة أو فساد الأخلاق المنصوص و المعاقب عليها في المادة 342 من قانون العقوبات، و في هذه الحالة يشترط أن يكون المجني عليه قاصرا ، أو جنحة وساطة في شأن الدعارة المنصوص و المعاقب عليها في المادة 343 من قانون العقوبات و في هذه الحالة يشترط أن يكون ذلك بمقابل فضلا عن اعتياد المجني عليه على ممارسة الدعارة.
فإن تخلفت الشروط المذكورة و هو الأكثر رجوحا أفلت الفعل من العقاب رغم بشاعته و جسامته التي تتجاوز حمل المجني عليه على الاستجابة للرغبات الجنسية الشخصية للجاني.
ثالثا: الركن المعنوي
تتطلب هذه الجريمة قصدا جنائيا، بل لا يمكن تصورها بدون هذا القصد و تبعا لذلك لا تقوم الجريمة إذا انعدم القصد الجنائي و هكذا قضي في فرنسا بعدم قيام الجريمة في حق مدير مؤسسة إذا أبدى عاطفة حب اتجاه مستخدمة كان قد أرسل إليها عدة خطب و قصائد شعر لا تتضمن فحشا ولا هجرا ، و كذا في حق من لمس يد مستخدمة أثناء استراحة لتناول القهوة و أعرب لها عن حبه لها و قدم لها هدية عند عودته من سفر و عرض عليها تقبيلها من فمها و أقر لها بأنه يشتاق إليها كلما غابت عن مكتبه ، الأمر الذي أدى ببعض الفقهاء في فرنسا إلى القول أنة مثل هذه الجريمة لا تطبق على مبادرات حب صادقة.
و إذا كان القصد الجنائي منعدما في المثالين السابقين فإن الجاني لم يلجأ فيهما أيضا لأساليب التهديد أو الضغط أو الإكراه أو إعطاء أمر و مع ذلك فقد قضي بعدم قيام الجريمة حتى و إن سلك الجاني سلوكا بذيئا ما دامت إرادة إساءة استعمال السلطة باستعمال التهديد أو الضغط أو الإكراه غير مثبتة.
و إذا كان هذا القضاء يصلح مبدئيا الاقتضاء به في بلدنا نظرا لاستلهام المشرع الجزائري مجمل أحكام المادة 341 مكرر من المادة 222-33 من قانون العقوبات الفرنسي، فإنه لم يعد يصلح في فرنسا منذ تعديل نص المادة 222-33 حيث لم يعد يشترط النص الجديد علاقة تبعية بين الجاني و المجني عليه، كما لم يعد يشترط استعمال وسيلة معينة.
رابعا: إشكالية إثبات الجريمة
يواجه إثبات جريمة التحرش عدة إشكاليات و قد أبدى القضاء الفرنسي تشددا في تقدير الدليل إذ لا تكفي تصريحات المجني عليه
لإقامة الدليل إذا لم تكن هذه التصريحات مصحوبة بشهادة شهود تؤيدها معاينات موضوعية و هكذا قضي بإدانة المدير العام لإحدى محطات الإذاعة بجنحة التحرش الجنسي على صحفية بناء على شهادة دقيقة و مفصلة لزميلتها في العمل تعززها ترقية مهنية استثنائية للمجني عليها متبوعة بوقفها عن العمل و فصلها بدون مبرر.
و يتساءل بعض الفقهاء حول ما إذا كانت هذه الجريمة من جرائم الاعتياد بدعوى أن المشرع استعمل مصطلح التحرش الذي ينطوي على فكرة التكرار و المعاودة و أن مختلف أساليب إساءة استعمال السلطة ( الأوامر و التهديد و الإكراه أو الضغوط ) قد صيغت في الجمع كما يتجلى ذلك بأكثر وضوح في النسخة الفرنسية من القانون الجزائري غير أننا نميل إلى الاعتقاد أن نية المشرع هي ردع التحرش الجنسي و لو تمثل في عمل منفرد.
الجزاء
تعاقب المادة 341 مكرر على التحرش الجنسي بالحبس من شهرين إلى سنة واحدة و بغرامة من 50.000 دج إلى 200.000 دج و تضاعف العقوبة في حالة العود.
و علاوة على العقوبة الأصلية سالفة الذكر يجوز الحكم على الجاني بالعقوبات التكميلية الاختيارية المقررة في حالة الإدانة لجنحة التي سبق بيان
المصدر: الدكتور: أحسن بوسقيعة - الوجيز في القانون الجزائي الخاص - الجزء الأول
هو الفعل المنصوص و المعاقب عليه بالمادة 341 مكرر من قانون العقوبات .
لم يكن هذا الفعل مجرما في القانون الجزائري إلى غاية تعديل قانون العقوبات بموجب القانون رقم 04-15 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 و قد جاء تجريمه كردة فعل لنمو التحرش الجنسي في مواقع العمل و استجابة لطلب الجمعيات النسائية.
و إذا كان قانون العقوبات إلى غاية تعديله سنة 2004 يضمن للمرأة الحماية من الاعتداءات الجنسية من خلال تجريمه الفعل المخل بالحياء و الاغتصاب ، فإن تلك الحماية مقصورة على الاعتداءات الجسدية التي تتطلب اتصالا جسديا بالضحية، في حين لا يقتضي التحرش الجنسي اتصالا جسديا و إنما يأخذ شكل ابتزاز و مساومة على ترقية أو نقل أو حتى الفصل من العمل بحيث لا يمكن الضحية تجنب المضرة ( أو الحصول على منفعة ) إلا بالنزول عند طلبات المعني و الاستجابة لرغباته الجنسية.
أركان الجريمة
تقتضي هذه الجريمة شرطا أوليا
أولا: الشرط الأولي
لا يمكن تصور هذه الجريمة في القانون الجزائري إلا في إطار علاقة تبعية أي علاقة رئيس بمرؤوسه قائمة بين الجاني و المجني عليه إذ تشترط المادة 341 مكرر أن يكون الجاني " شخص يستغل سلطة وظيفته أو مهنته " و من تم يفلت من التجريم ما يصدر عن زميل في العمل أو عن زبون في مؤسسة.
و لم يحصر المشرع الجزائري مجال تطبيق الجريمة في ما يصدر عن الجاني أثناء ممارسة الضحية لنشاطها المهني، فكل ما يتطلبه القانون هو أن يتم التحرش في إطار علاقة تبعية أي علاقة رئيس بمرؤوس، سواء تم ذلك أثناء ممارسة وظيفة أو بمناسبتها أو أثناء ممارسة مهنة أو بمناسبتها.
و عبارة "وظيفة" على شمولها تتسع لكل الأنشطة بصرف النظر عن إطارها فقد يكون الإدارة أو المؤسسات أو الجمعيات بل و حتى الترفيه و التطوع.
أما المهنة فيقصد بها على وجه الخصوص الوظائف المنظمة مثل الطب و القضاء و المحاماة و الهندسة و الفلاحة و الصناعة و التجارة الخ ... و الواقع أن عبارة الوظيفة تغنينا من الإشارة إلى المهنة.
و تجدر الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي، منذ تعديله قانون العقوبات بموجب قانون 17-01-2002 لم يعد يشترط علاقة رئيس بمرؤوس بين الجاني و المجني عليه ، حيث لم يعد يشترط النص أن يكون الجاني " شخصا يستغل سلطة وظيفته " و تبعا لذلك تقوم الجريمة و لو صدر التحرش عن زميل في العمل أو من أحد زبائن المؤسسة بل و حتى لو صدر من مستخدم.
ثانيا: الركن المادي للجريمة
تقتضي هذه الجريمة أن يلجأ الجاني إلى استعمال وسائل معينة و هي: إصدار الأوامر، التهديد ، الإكراه ، ممارسة ضغوط، و ذلك قصد إجبار الضحية على الاستجابة لرغباته الجنسية.
يتكون الركن المادي من عنصرين: استعمال وسيلة من وسائل العنف المادي أو المعنوي، و الغاية من استعمال الوسيلة أي الحصول على فضل ذي طابع جنسي.
1-الوسائل المستعملة: و تتمثل في ما يأتي:
-إصدار الأوامر: و يقصد به ما يصدر من رئيس إلى مرؤوس من طلبات تستوجب التنفيذ ، و قد يكون الآمر كتابيا أو شفويا ، و من هذا القبيل مدير مؤسسة الذي يطلب إحدى مستخدمتيه إلى مكتبه و يأمرها بغلق الباب و خلع ثيابها.
-التهديد: و تأخذ عبارة التهديد هنا بمعناها اللغوي فلا يقتصر مدلولها على التهديد المجرم في المواد 284 إلى 287 و إنما يتسع ليشمل كل أشكال العنف المعنوي. و يستوي أن يكون التهديد شفويا أو بواسطة محرر أو مجرد حركات أو إشارات، كأن يطلب المدير في المثال السابق، من مستخدمته قبول الاتصال به جنسيا و إلا فصلها من العمل.
-الإكراه: و قد يكون ماديا، و يقصد به استعمال القوة الجسدية أو وسيلة مادية كالسلاح كأن يرغم المدير ، في المثال السابق ، مستخدمته على تلبية طلبه مستعملا قوته الجسدية ، و في هذه الحالة قد يتحول الفعل إلى اغتصاب ، و قد يكون الإكراه معنويا و يقصد به التهديد كتهديد المستخدمة بإفشاء سر قد يضر بها إن كشف.
-ممارسة ضغوط: و الضغوط أشكال و ألوان، و قد تكون مباشرة أو غير مباشرة و تجدر الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي منذ تعديله قانون العقوبات بموجب قانون 17-01/2002 لم يعد يشترط استعمال وسيلة معينة، و تبعا لذلك تقوم الجريمة حتى لمجرد إغواء أو مراودة امرأة.
و إجمالا يمكن القول أن التهديد و الإكراه و ممارسة الضغوط هي أشكال للعنف المعنوي و من ثم يثار التساؤل حول التمييز بين جريمة التحرش و جريمتي الاغتصاب و الفعل المخل بالحياء اللتان لا تستبعدان لقيامهما العنف المعنوي.
و يشترط أن يتضمن حكم الإدانة الإشارة إلى إحدى الوسائل المذكورة أنفا ، و في هذا الصدد قضي في فرنسا بنقض قرار محكمة استئناف لكونها لم تشرح في قرارها كيف استعمل الجاني التهديد أو إصدار الأوامر أو الإكراه ، كما قضي في مناسبات أخرى بعدم قيام الجريمة لانعدام التهديد أو الإكراه أو إعطاء أمر .
علما أن هذه القرارات صدرت في ظل قانون العقوبات قبل تعديله بموجب قانون 17-01-2002 الذي لم يعد يشترط استعمال وسائل معينة.
ب-الغاية من استعمال الوسائل المذكورة: و تتمثل في الحصول على مزايا ذات طابع جنسي.
و هنا نلاحظ مرة أخرى اختلاف النص بين النسخة بالعربية و النسخة بالفرنسية حيث جاء في النص بالعربية: إجبار ( الغير ) على الاستجابة لرغبات ( الجاني ) الجنسية.
و الفرق واضح بين: " قصد الحصول على مزايا ذات طابع جنسي " كما جاء النص في النسخة بالفرنسية و " قصد إجبار (الغير) على الاستجابة لرغبات (الجاني) الجنسية " كما جاء النص في النسخة بالعربية.
فالنص الأول ألطف من الثاني و أوسع و أقرب إلى نية المشرع، ذلك إن إجبار الغير على الاستجابة للرغبات الجنسية يشكل صورة من صور العنف المعنوي الذي يكون الركن المادي لجريمة هتك العرض و الفعل المخل بالحياء مع استعمال العنف.
و تتسع عبارة " المزايا ذات الطابع الجنسي " لتشمل كل الأعمال الجنسية من التقبيل و الملامسة إلى الوطء ، و يشترط القانون أن يكون الجاني هو المستفيد و ليس غيره و من تم لا يسأل جزائيا من يستعمل الوسائل سالفة الذكر قصد تمكين غيره من الحصول على مزايا ذات طابع جنسي ما لم يشكل هذا الفعل جنحة تحريض قاصر على الفسق و الدعارة أو فساد الأخلاق المنصوص و المعاقب عليها في المادة 342 من قانون العقوبات، و في هذه الحالة يشترط أن يكون المجني عليه قاصرا ، أو جنحة وساطة في شأن الدعارة المنصوص و المعاقب عليها في المادة 343 من قانون العقوبات و في هذه الحالة يشترط أن يكون ذلك بمقابل فضلا عن اعتياد المجني عليه على ممارسة الدعارة.
فإن تخلفت الشروط المذكورة و هو الأكثر رجوحا أفلت الفعل من العقاب رغم بشاعته و جسامته التي تتجاوز حمل المجني عليه على الاستجابة للرغبات الجنسية الشخصية للجاني.
ثالثا: الركن المعنوي
تتطلب هذه الجريمة قصدا جنائيا، بل لا يمكن تصورها بدون هذا القصد و تبعا لذلك لا تقوم الجريمة إذا انعدم القصد الجنائي و هكذا قضي في فرنسا بعدم قيام الجريمة في حق مدير مؤسسة إذا أبدى عاطفة حب اتجاه مستخدمة كان قد أرسل إليها عدة خطب و قصائد شعر لا تتضمن فحشا ولا هجرا ، و كذا في حق من لمس يد مستخدمة أثناء استراحة لتناول القهوة و أعرب لها عن حبه لها و قدم لها هدية عند عودته من سفر و عرض عليها تقبيلها من فمها و أقر لها بأنه يشتاق إليها كلما غابت عن مكتبه ، الأمر الذي أدى ببعض الفقهاء في فرنسا إلى القول أنة مثل هذه الجريمة لا تطبق على مبادرات حب صادقة.
و إذا كان القصد الجنائي منعدما في المثالين السابقين فإن الجاني لم يلجأ فيهما أيضا لأساليب التهديد أو الضغط أو الإكراه أو إعطاء أمر و مع ذلك فقد قضي بعدم قيام الجريمة حتى و إن سلك الجاني سلوكا بذيئا ما دامت إرادة إساءة استعمال السلطة باستعمال التهديد أو الضغط أو الإكراه غير مثبتة.
و إذا كان هذا القضاء يصلح مبدئيا الاقتضاء به في بلدنا نظرا لاستلهام المشرع الجزائري مجمل أحكام المادة 341 مكرر من المادة 222-33 من قانون العقوبات الفرنسي، فإنه لم يعد يصلح في فرنسا منذ تعديل نص المادة 222-33 حيث لم يعد يشترط النص الجديد علاقة تبعية بين الجاني و المجني عليه، كما لم يعد يشترط استعمال وسيلة معينة.
رابعا: إشكالية إثبات الجريمة
يواجه إثبات جريمة التحرش عدة إشكاليات و قد أبدى القضاء الفرنسي تشددا في تقدير الدليل إذ لا تكفي تصريحات المجني عليه
لإقامة الدليل إذا لم تكن هذه التصريحات مصحوبة بشهادة شهود تؤيدها معاينات موضوعية و هكذا قضي بإدانة المدير العام لإحدى محطات الإذاعة بجنحة التحرش الجنسي على صحفية بناء على شهادة دقيقة و مفصلة لزميلتها في العمل تعززها ترقية مهنية استثنائية للمجني عليها متبوعة بوقفها عن العمل و فصلها بدون مبرر.
و يتساءل بعض الفقهاء حول ما إذا كانت هذه الجريمة من جرائم الاعتياد بدعوى أن المشرع استعمل مصطلح التحرش الذي ينطوي على فكرة التكرار و المعاودة و أن مختلف أساليب إساءة استعمال السلطة ( الأوامر و التهديد و الإكراه أو الضغوط ) قد صيغت في الجمع كما يتجلى ذلك بأكثر وضوح في النسخة الفرنسية من القانون الجزائري غير أننا نميل إلى الاعتقاد أن نية المشرع هي ردع التحرش الجنسي و لو تمثل في عمل منفرد.
الجزاء
تعاقب المادة 341 مكرر على التحرش الجنسي بالحبس من شهرين إلى سنة واحدة و بغرامة من 50.000 دج إلى 200.000 دج و تضاعف العقوبة في حالة العود.
و علاوة على العقوبة الأصلية سالفة الذكر يجوز الحكم على الجاني بالعقوبات التكميلية الاختيارية المقررة في حالة الإدانة لجنحة التي سبق بيان
المصدر: الدكتور: أحسن بوسقيعة - الوجيز في القانون الجزائي الخاص - الجزء الأول